تحميل كتاب ما الثقافة - إيف ميشو.pdf
المقدمة
ليست الثقافة بمعناها العام أو معناها المجرد ولكن الثقافة الراهنة بظروفها المعاصرة طبقا لتوجيهات حاولنا جاهدين الاهتداء بها لتصوير مسيرة الأنشطة الإنسانية برمتها، وذلك على طول عام ألفين بأكمله.
وتستند خطة البحث المتبعة في جوهرها على هذا الجهد المزدوج الذي يتناول الحوادث الجارية والنظرةالمستقبلية معا.سياق الثقافةفي البداية قمنا بمسح شامل للظروف السياسية ومسح جزئي للجوانب الثقافية لهذا العالم الذي يتسم بالشمولية، ثم لأوروبا وذلك من أجل أن يكون لدينا الخلفية التي تستند عليها الأفكار والملاحظات التي نسوقها في هذا المقال.
غلاف كتاب ما الثقافة - إيف ميشو. |
وعلى الرغم من أن الأمر يتعلق فقط باتفاقيات حولية (مدتها سنة ميلادية) إلا أن عام ألفين يشكل فترة انتقالية تختم القرن العشرين والألفية الثانية. وتأتى نهاية هذا القرن والألفية في وسط عالم يتسم بالشمولية والتعددية ويتسم أيضا بتطورات تاريخية رئيسية مثل: تفكك العالم الاشتراكي الشيوعي الغربي، النمو الإمبريالي للقوة الأمريكية، التوازن الهش والمتردد للصين التي تتأرجح بين الاشتراكية والانفتاح على الرأسمالية، وربما على أشكال من الديمقراطية، علاوة على تعاظم القوة الهندية وتمزق العالم الإسلامي بين السلفية والأصولية والحداثة.
وفي الوقت نفسه لا يمكننا أن نغفل المشاكل المنغصة مثل مشاكل الإبادة الجماعية والفاشية أو الاستعمار ، كما لو كانت تنتمى إلى ماض انتهـى. هناك ظواهر أو اتجاهات صارخة بدأت تظهر حديثا وبدأت تستقر تدريجيا وتفرض نفسها على الضمائر مثل الاهتمامات بالبيئة وسياساتها تنمية العمل البشري، الصعود القوى للمنظمات غير الحكومية التي بدأت تشكل قوى دولية مهمة لها دور رئيسي، إقامة محاكم جنائية دولية وعولمة العدل.
وفي أوروبا منذ ما يقرب من خمسين عاما تنامى المشروع الأوروبي ليصل الآن إلى حد فاصل يفرض مشاكل رئيسية حول تحول أو بقاء الدول الأمم التــــي كانت تكون أوروبا المنقسمة والممزقة خلال القرن التاسع عشر حتى الجزء الأكبر من القرن العشرين.