ما هي الازدواجية في علم النفس؟
(المقالة الأولى من سلسلة مقدمة في علم النفس)محتويات المقال:
تاريخ علم النفس
ما هي الازدواجية في علم النفس؟
لسنا آلات مادية من منظور ديكارت!
كافكا وهومر عن الازدواجية
ملحدون في الجنة الإيمان!
تفسير الازدواجية!
ما هي الازدواجية في علم النفس؟. |
تاريخ علم النفس
يعود مصطلح «علم النفس-Psychology» إلى اللغة اللاتينية ويعني دراسة الروح، تطورت الكلمة عبر العصور ليصبح علمُ النفس حاليًا علمَ السلوك والعمليات العقلية. ظهر المصطلح أول مرة في القرن السادس عشر، ولم تترسخ أسس العلم وقواعده المتعارف عليها حاليًا سوى في منتصف القرن التاسع عشر. شغل سؤال الوعي البشري ومنشأه تفكير العلماء والفلاسفة عبر العصور، منهم أرسطو الذي اقتنع أن الوعي منشأه القلب لا العقل. ومنهم الشعب الصيني، حيث طُورت أول اختبارات نفسية في العالم منذ ألفي عام تقريبًا وأُلزم الموظفون الحكوميون بالخضوع لاختبارات الشخصية والذكاء.وأيضًا الرازي، الذي يُعد أول من وصف المرض النفسي وعالجه بل وخصص له جناحًا مستقلًا في مشفاه ببغداد. كان الغرض من جهود هؤلاء العلماء واحدًا وهو محاولة إيجاد الإجابات عن الأسئلة المهمة التي تخصنا نحن البشر، من نحن؟ وكيف يعمل عقلنا البشري؟ وماذا يجعلنا على ما نحن عليه؟
مجالات علم النفس ينقسم علم النفس إلى خمس مجالات فرعية:
أولها: «علم الأعصاب-Neuro Science» وهو العلم الذي يهتم بدراسة العقل البشري والتفكير عن طريق دراسة المخ.
ثانيًا: «علم نفس النمو-Devlopmental Psychology» وهو العلم الذي يهدف إلى دراسة تطور البشر ونموهم وتعليمهم.
ثالثًا: «علم النفس المعرفي-Cognitive Psychology» وهذا العلم يُعد بمثابة أسلوب حاسوبي لدراسة العقل البشري، وذلك عن طريق مقارنة العقل بالحاسوب ومحاولة التوصل إلى كيفية فعل البشر الأشياء مثل: تعلم اللغة أو لعب الألعاب أو التعرف على الأغراض المختلفة.
رابعًا: «علم النفس الاجتماعي-Social Psychology» وهو العلم الذي يهتم بالعلاقات البشرية والطريقة التي يتفاعل بها البشر مع بعضهم البعض.
أولها: «علم الأعصاب-Neuro Science» وهو العلم الذي يهتم بدراسة العقل البشري والتفكير عن طريق دراسة المخ.
ثانيًا: «علم نفس النمو-Devlopmental Psychology» وهو العلم الذي يهدف إلى دراسة تطور البشر ونموهم وتعليمهم.
ثالثًا: «علم النفس المعرفي-Cognitive Psychology» وهذا العلم يُعد بمثابة أسلوب حاسوبي لدراسة العقل البشري، وذلك عن طريق مقارنة العقل بالحاسوب ومحاولة التوصل إلى كيفية فعل البشر الأشياء مثل: تعلم اللغة أو لعب الألعاب أو التعرف على الأغراض المختلفة.
رابعًا: «علم النفس الاجتماعي-Social Psychology» وهو العلم الذي يهتم بالعلاقات البشرية والطريقة التي يتفاعل بها البشر مع بعضهم البعض.
خامسًا «علم النفس السريري-Clinical Psychology» وهو العلم الذي يهتم بالصحة العقلية والمرض العقلي.الفرضية المدهشة سنلقي الضوء في هذا الجزء على المجال الأول من علم النفس وهو علم الأعصاب.
أول ما سنتحدث عنه هو: المخ. وضع العالم الحائز على جائزة نوبل فرانسيس كريك فرضية تُدعى «الفرضية المدهشة-The Astonishing Hypothesis» والتي تنص على: “أنت وأفراحك وأحزانك، وذكرياتك وطموحاتك، وإحساسك بهويتك وإرادتك الحرة ليست سوى نتاج سلوك جماعي للخلايا العصبية والجزيئات المرتبطة بها” وهنا يمكننا التمهل قليلًا والتفكير، هل هذه الفرضية قابلة للتصديق؟ الحقيقة أن هذه الفرضية كانت محل جدل كبير، ولا يؤمن أغلب البشر بها.
لأنه في الواقع أغلب البشر “ازدواجيين”. لكن ما هي الازدواجية؟
وعندما طرح ديكارت السؤال: هل البشر مجرد آلات مادية؟ جاءت إجابته: لا، لسنا مجرد آلات مادية. اعتبر ديكارت الحيوانات آلات مادية بل ووصفها أنها آلات وحشية، أما عند البشر فالأمر مختلف، فبينما يتشارك البشر والحيوانات في امتلاك الجسد المادي، إلا أن البشر يمتلكون الروح/العقل غير المادي الذي يسكن/يتعلق بالجسد المادي.
إثبات الازدواجية ساق ديكارت حجتين لإثبات نظريته عن الازدواجية. الأولى التي تعتمد على تأملات الأفعال البشرية وتثبت أن البشر ليسوا آلات مادية. طور ديكارت هذه الحجة أثناء تأملاته في الحديقة الملكية الفرنسية، تميزت تلك الحديقة بوجود روبوتات هيدروليكية تعمل على تدفق المياه، فعندما تخطو على لوحة ما يظهر لك فارس بسيف في يده وعندما تخطو على أخرى تختبيء امرأة جميلة خلف الشجيرات، وهنا سأل ديكارت السؤال: هذه الآلات تستجيب بصورة معينة وكذلك البشر، فعندما تطرق على ركبة أحدهم سترتفع في الهواء، إذن هل البشر آلات مادية؟ وأجاب ديكارت: لا، لسنا آلات مادية!
الحجة الثانية وهي الأشهر وتعتمد على مذهب الشك. شكك ديكارت في كل ما حوله، وأخذ يسأل نفسه: “ما الذي يمكنني أن أكون متأكدًا منه؟ فربما يوجد آله وربما لا، وربما أعيش في دولة غنية وربما يتم خداعي، وربما هذا الجسد ليس حقيقيًا، يظن المجانين في بعض الأحيان أن لديهم أطرافًا إضافية أو يرون أجسادهم بصور مختلفة عن الواقع، كيف أعرف أنني لست مجنونًا؟” الشيء الوحيد الذي لم يستطع ديكارت الشك فيه هو أنه يفكر، فلو فعل سيكون هذا بمثابة دحض لذاته. ومن هنا استخلص ديكارت أنه “هناك شيء مختلف فيما يخص امتلاك الجسد، إنه أمر غير مؤكد على عكس امتلاك العقل.”
أول ما سنتحدث عنه هو: المخ. وضع العالم الحائز على جائزة نوبل فرانسيس كريك فرضية تُدعى «الفرضية المدهشة-The Astonishing Hypothesis» والتي تنص على: “أنت وأفراحك وأحزانك، وذكرياتك وطموحاتك، وإحساسك بهويتك وإرادتك الحرة ليست سوى نتاج سلوك جماعي للخلايا العصبية والجزيئات المرتبطة بها” وهنا يمكننا التمهل قليلًا والتفكير، هل هذه الفرضية قابلة للتصديق؟ الحقيقة أن هذه الفرضية كانت محل جدل كبير، ولا يؤمن أغلب البشر بها.
لأنه في الواقع أغلب البشر “ازدواجيين”. لكن ما هي الازدواجية؟
ما هي الازدواجية في علم النفس؟
«الازدواجية -Dualism» عقيدة يتبعها أغلب البشر، وتظهر بشكل واضح في كل الأديان وأغلب الأنظمة الفلسفية على مر العصور. أكثر المدافعين عن الازدواجية شهرةً ووضوحًا هو الفيلسوف الفرنسي «رينيه ديكارت-René Descartes». طور ديكارت نظريته عن الازدواجية التي تصف العقل البشري أنه كيان غير مادي يستطيع القيام بعمليات التفكير والتخيل والشعور والإرادة بشكل منفصل عن الجسد.وعندما طرح ديكارت السؤال: هل البشر مجرد آلات مادية؟ جاءت إجابته: لا، لسنا مجرد آلات مادية. اعتبر ديكارت الحيوانات آلات مادية بل ووصفها أنها آلات وحشية، أما عند البشر فالأمر مختلف، فبينما يتشارك البشر والحيوانات في امتلاك الجسد المادي، إلا أن البشر يمتلكون الروح/العقل غير المادي الذي يسكن/يتعلق بالجسد المادي.
إثبات الازدواجية ساق ديكارت حجتين لإثبات نظريته عن الازدواجية. الأولى التي تعتمد على تأملات الأفعال البشرية وتثبت أن البشر ليسوا آلات مادية. طور ديكارت هذه الحجة أثناء تأملاته في الحديقة الملكية الفرنسية، تميزت تلك الحديقة بوجود روبوتات هيدروليكية تعمل على تدفق المياه، فعندما تخطو على لوحة ما يظهر لك فارس بسيف في يده وعندما تخطو على أخرى تختبيء امرأة جميلة خلف الشجيرات، وهنا سأل ديكارت السؤال: هذه الآلات تستجيب بصورة معينة وكذلك البشر، فعندما تطرق على ركبة أحدهم سترتفع في الهواء، إذن هل البشر آلات مادية؟ وأجاب ديكارت: لا، لسنا آلات مادية!
لسنا آلات مادية من منظور ديكارت!
فسر ديكارت ذلك بتوضيح أن البشر ليسوا محدودين برد الفعل، بل على العكس لدى البشر القدرة على الابتكار والتصرف بعفوية. مثال على ذلك في اللغة: عندما يحييك أحدهم: مرحبًا، كيف حالك؟ سيأتي ردك فورًا: مرحبًا، أنا بخير. لكن الأمر لا يتوقف عند هذه النقطة، فأنت تملك الخيار أن تجيب على هذا النحو مثلًا: أنا في أحسن حال! وهنا يظهر الاختلاف بين الآلات والبشر، فالآلات لا يمكنها الاختيار ومحدودة برد الفعل، أما البشر فلا وبالتالي البشر ليسوا آلات مادية.الحجة الثانية وهي الأشهر وتعتمد على مذهب الشك. شكك ديكارت في كل ما حوله، وأخذ يسأل نفسه: “ما الذي يمكنني أن أكون متأكدًا منه؟ فربما يوجد آله وربما لا، وربما أعيش في دولة غنية وربما يتم خداعي، وربما هذا الجسد ليس حقيقيًا، يظن المجانين في بعض الأحيان أن لديهم أطرافًا إضافية أو يرون أجسادهم بصور مختلفة عن الواقع، كيف أعرف أنني لست مجنونًا؟” الشيء الوحيد الذي لم يستطع ديكارت الشك فيه هو أنه يفكر، فلو فعل سيكون هذا بمثابة دحض لذاته. ومن هنا استخلص ديكارت أنه “هناك شيء مختلف فيما يخص امتلاك الجسد، إنه أمر غير مؤكد على عكس امتلاك العقل.”
وهكذا استخدم ديكارت مذهب الشك لإثبات نظريته عن الازدواجية وانفصال العقل والجسد. الازدواجية والفطرة تظهر الازدواجية بوضوح وبشكل فطري في اللغة، فالازدواجية واللغة مترابطان إلى حد كبير.
كافكا وهومر عن الازدواجية
مثال على ذلك، عند الحديث عن أشيائنا العزيزة والمقربة نقول: سيارتي أو كتابي أو قلبي أو ذراعي ولا يتوقف الأمر هنا فنقول: عقلي، نتحدث عن امتلاك العقل كأنه وبشكل ما منفصل عن الجسد. تظهر الازدواجية أيضا بشكل فطري في نظرتنا للهوية الشخصية، فنرى أن مرور الجسم بتغيرات كبيرة وجذرية لا يعني تغير الشخص ذاته. والأمثلة التي توضح ذلك خيالية، منها ما كتبه فرانز كافكا في واحدة من أعظم القصص القصيرة في القرن الماضي: “استيقظ جريجوري سامسا في صباح ما من ليلة مليئة بالأحلام المزعجة، ليجد نفسه تحول إلى حشرة عملاقة.”
هنا يدعونا كافكا إلى تخيل الاستيقاظ في جسد صرصور ضخم وبالفعل لا نواجه صعوبة في ذلك. مثال آخر يعود إلى مئات السنين قبل الميلاد، حينما يصف “هومر” مصير رفقاء “أوديسيوس” اللذين وقعت عليهم لعنة شريرة ليعلقوا في أجساد خنازير، كان لهم رأس وجسد وشعر وصوت الخنازير لكن ظلت عقولهم/أرواحهم كالسابق لم تتغير.
وهنا أيضًا يتم دعوتنا بشكل فطري إلى تخيل مصير إيجاد أنفسنا في أجساد كائنات أخرى.الازدواجية والبشر يؤمن معظم البشر من جميع الأديان في معظم مناطق العالم على مر العصور بقدرتهم على النجاة من دمار أجسادهم. اختلفت الثقافات في تحديد مصير الروح، منها ما يقول أنها ترتقي إلى الجنة أو تهبط إلى الجحيم، ومنها ما يقول أنها تعود لتشغل جسدًا آخرًا، أو لتشغل حيزًا في عالم روحي لا شكلي. لكن الأمر المشترك بينهم جميعًا هو أن ما تكونه أنت، ما يعنيه وجودك كإنسان منفصل انفصالًا تامًا عن جسدك المادي.
ملحدون في الجنة الإيمان!
أحد المسوحات التي تمت في ولاية شيكاغو استطلعت ديانات الأشخاص وماذا باعتقادهم قد يحدث لهم عند الموت، وجائت النتائج كالتالي: رأت النسبة الأكبر من الأشخاص المعتنقين للمسيحية واليهودية أنهم سيذهبون إلى الجنة عند الموت، نسبة أقل من المشاركين نفت اعتناقها لأي دين، لكنهم اعتقدوا أيضًا أنهم سيذهبون للجنة عند الموت! دحض الازدواجية نستنتج مما سبق أن الازدواجية في كل شيء، وتعتمد عليها الكثير من الثوابت.
لكن يبقى للعلم رأي آخر، أشار كريك أن الإجماع العلمي يرى الازدواجية خاطئة، ليس هناك “أنت” منفصل عن جسدك، وبالتحديد ليس هناك “أنت” منفصل عن مخك، فالعقل هو ما يفعله المخ، العقل انعكاس لعمل المخ.
أما الازدواجية فهي عقيدة غير علمية لا تستطيع الإجابة عن أسئلة مثل: كيف يتعلم الأطفال اللغة؟ أو ما الذي يجعل الشخص جذابًا؟ أو كيف ينشأ المرض النفسي؟
تفسير الازدواجية!
تفسير الازدواجية الوحيد أن كل هذا ليس ماديًا، إنه جزء من كيان الروح/العقل غير المادي. وعاني ديكارت نفسه من هذه النقطة، فقد توصل إلى ضرورة وجود إتصال ما بين الجسد المادي والعقل غير المادي، وإلا فلماذا تشعر بالألم عندما يرتطم اصبعنا بشيء؟ ولماذا تقفز ركبتك في الهواء عند الطرق عليها؟ لكنه فشل في تحديد ماهية هذا الاتصال.
علاوة على ذلك، هناك أدلة قوية تثبت مشاركة المخ في الحياة العقلية، حيث تشير الأبحاث إلى تناظر أجزاء المخ مع نشاطنا العقلي. وهذا ليس بالاكتشاف الجديد، فقد عرف الفلاسفة والعلماء منذ وقت طويل أن الضرب على الرأس يمكن أن يغير القدرات العقلية، كذلك يمكن لمرض الزُهري أن يجعل المرء مختلًا، وللمواد الكيميائية مثل الكافيين والكحول تأثير على نشاط العقل.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، حيث مكنتنا تقنيات التصوير مثل الأشعة المقطعية وأشعة الرنين المغناطيسي من التعرف على المناطق النشطة من المخ أثناء المراحل المختلفة من النشاط العقلي مثل: الفارق بين رؤية الكلمات وسماعها وقراءتها وتوليدها تتناظر مع مناطق نشطة مختلفة من المخ. مثال آخر: يُمكن بتتبع المناطق النشطة من المخ معرفة ما إذا كان الشخص يستمع إلى الموسيقى أو يفكر في الجنس أو حتى يفكر في حل معضلة أخلاقية ما.
وأخيرًا يمكننا القول أن الإجماع العلمي يتفق مع فكرة أن العقل نتاج لعمل المخ، أن مشاعر البشر وضمائرهم وأخلاقهم وإرادتهم الحرة ذات أصل مادي، أن الإنسان في الحقيقة ليس سوى مخ! لكن يظل السؤال هنا، كيف يمكن أن ننشأ نحن البشر بكل تعقيداتنا من هذا العضو الرمادي الصغير بتلافيفه وتجاويفه؟ كيف يعمل العقل؟ والسؤال الأهم كيف ينشأ التفكير من العقل؟ وهذا ما سنتطرق إليه في الجزء القادم من سلسلة علم النفس.
المصادر:
Psychology
Mind-body dualism
The Astonishing Hypothesis
PhilPapers