ابن خلدون ونشأة المدن دراسة في علم الاجتماع الحضري.pdf
تقديم وتمهيد :
على الرغم من المحاولات العلمية المبذولة من قبل العديد من علماء اجتماع والجغرافيا لتفسير نشأة المدن، إلا إن الاستعراض العام لآراء هؤلاء العلماء يبين لنا أن تلك المحاولات لم تخرج في الغالب الأعم عن التفسير الذي قدمه ابن خلدون قبل حوالي ستة قرون للفكر الاجتماعي فيما يتعلق بنشأة المدينة.
في هذه الدراسة سنحاول تقديم أفكار ابن خلدون عن المدينة من حيث تعريفها ونشأتها، ومن حيث العوامل التي تقود إلى تطورها ونموها أو تقلصها ،وانقباضها، ومن ثم سوف نتعرض لأهم الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للمدينة كما يراها ابن خلدون، محاولين من خلال ذلك التركيز على مدى تميز الفكر الخلدوني في هذه الأبعاد بمقارنته بأفكار بعض المتأخرين حول هذه القضايا .
وابن خلدون يعتبر من أبرز علماء المسلمين في جميع العصور، فقد جمع إلى العلم والمعرفة رجاحة العقل التي صقلتها التجربة والممارسة حيث عمل في خدمة كثير من الأمراء، وعمل في القضاء والتعليم، وسافر إلى أجزاء كثيرة من بلاد المسلمين، وتعرض إلى محن وأرزاء كثيرة مثل دخول السجن، ووفاة أفراد أسرته غرقاً في البحر وهم في طريقهم من تونس إلى مصر حيث كان يقيم في أخريات حياته. ومن الجدير بالذكر أن ابن خلدون ولد في تونس سنة ٧٣٢هـ وتوفى في مصر. سنة ٨٠٨هـ (المزيد من المعلومات عن حياة ابن خلدون .
ويعتبر ابن خلدون من أشهر العلماء المسلمين خارج العالم الإسلامي، يقول عنه «البارون کارادوفو» : «تزوّدنا أفريقةُ الإسلامية . في شخص ابن خلدون، بعالم اجتماع من الطراز الأول. ولاتجد ذهناً تمثل فسلفة التاريخ بجلاء أكثر مما تمثلها ذهن ابن ويعد ابن خلدون المعياً من فصيلة مونتسيكو والأب دو مايلي. وجداً لعلمائنا في الاجتماع مثل تارد أو المستشرق غُوبينو» .
ومن مؤشرات ألمعية ابن خلدون وعبقريته تعدد جوانب ثقافته، فقد أخذ من كل فن بطرف، ولذلك يجد القاريء لمقدمته أنها حوت كثيراً من التخصصات العلمية مثل الاجتماع والتربية والتاريخ والسياسة والاقتصاد وغير ذلك من العلوم ولهذا كثرت الكتب والمقالات العلمية والدراسات والبحوث عن ابن خلدون وعن نظرياته وأفكاره .
ابن خلدون ونشأة المدن دراسة في علم الاجتماع الحضري. |
وقد قمت بتقسيم هذا البحث إلى عدة عناوين. تحدثت في أولها عن مفهوم المدينة قديماً وحديثاً، حيث تعرضت لمفهومها في اللغة العربية وعند بعض العلماء المسلمين، وبعض العلماء الغربيين، واختتمت ذلك الجزء بمفهوم ابن خلدون عن المدينة والعنوان الثاني كان عن أسباب نشأة المدن وتحدثت فيه عن أسباب نشأة المدن عند مجموعة من العلماء، وانتقلت بعد ذلك للحديث عن أسباب نشأة المدن عند ابن خلدون مستخلصاً ذلك من أماكن متفرقة من المقدمة وسيجد القارىء عمق نظرة ابن خلدون وشمولها في هذا الجانب، حيث لم يقصر أسباب نشأة المدن على سبب واحد كما فعل غيره وإنما ساق مجموعة من الأسباب تختلف من مدينة إلى أخرى .
أما العنوان الثالث فقد خصصته لموقع المدينة عنه ابن خلدون، حيث أولى هذا الموضوع أهمية خاصة وأشار إلى أن موقع المدينة يجب أن يحقق شيئين هما جلب المنافع ودفع المضار، ولايزال هذان المطلبان من أهم مطالب الحياة، سواء في الريف أو في المدن. وتحت العنوان الرابع تحدثت عن المدينة ككائن متعرضاً لامتدادها وتقلصها وأسباب ذلك وعوامله من وجهة نظر ابن خلدون، أما الجزء الخامس فقد تحدثت فيه عن حياة المدينة كما يراها ابن خلدون، ويعتبر العنوان السادس استكمالاً للعنوان الخامس حيث تحدثت فيه عن مهن المدينة وصنائعها وحرفها كما يراها ابن خلدون.
ابن خلدون ونشأة المدن دراسة في علم الاجتماع الحضري.pdf
هل استمتعت بهذه التدوينة؟ لا تفوت أبدًا المنشورات المستقبلية من خلال متابعتنا