الاتصال الجماهيري ووسائله
تمہید
يعد الاتصال بين البشر احدى الظواهر التي بدأت وتطورت مع نشأة الحياة الإنسانية وتطورها، فمنذ ان وجد الإنسان بدأ الاتصال بغيره من أعضاء الأسرة او القبيلة او المجتمع الموجود في ذلك الوقت. وذلك لتلبية حاجاته الأساسية مثل الحاجة الى التفاهم مع الآخرين والى التعبير عما يريده وعما يحس به تجاه الآخرين ومن حوله يذهب بعض المختصين في الاتصال الإنساني الى ان التطور الإنساني والحضاري بصفة عامة يرجع الى عاملين أساسيين هما تطوير مهارات الاتصال وقدرة الإنسان على التنظيم.
وتطور ظاهرة الاتصال الإنساني واكب تطور الحضارة ذاتها، ففي العصور الأولى أي ما قبل الميلاد وفيما بعده بعدة قرون كان اتصال الإنسان بأفراد معدودين وفي حدود ضــيـقـة هي حدود البيئة التي يعيش والتي يحصل فيها الفرد على حاجات الأساسية كالمأكل والمشرب، وكان اتصالا مباشرا أي وجها لوجه بين المرسل والمتلقي او المرسل والمتلقين، في حالة الحديث الى جماعة.
كما تطور الاتصال بتطور المجتمع حيث ابتكر الإنسان اللغة - لغة التخاطب- ثم اللغة المكتوبة حوالي 4000 ق. م . وبواسطة اللغة تمكن الإنسان من تطوير أسلوب حياته ومعاملاته مع الآخرين، فأصبح أكثر قدرة على تصوير تجاربه ومشاهداته والتعبير عنها باشراك الآخرين.
كذلك استطاع الإنسان من خلال اللغة ان يشرك بني جنسه في عالمه الشخصي كانسان مفكر، ثم توصل الإنسان الى الطباعة وكانت أحد أعظم منجز الجنس البشري في كل العصور؛ فقد كان الناس قبل القرن الخامس عشر ينسخون الكتب عن طريق مخطوطات او نسخ من هذه الكتب، ثم تتم كتابتها يدويا وغالبا ما كانت عملية النسخ اليدوية عرضة لحدوث الأخطاء، والاهم من ذلك ان عدد الكتب المتاحة كان محدودا للغاية ولم يكن شراؤها بوسع احد سوى دائرة ضيقة من الأشخاص القادرين على ذلك، ثم جاء عصر الاعلام من سينما 1885م، ثم الراديو عام 1920م، ثم التلفاز عام 1930م، ثم الحاسوب، فالأقمار الصناعية في النصف الثاني من القرن العشرين، وبالرغم من منجزات هذه الثورة إلا انها خلفت ارباكا هائلا في أساليب اتصالاتنا البشرية؛ فأنماط التفاعل داخل الأسرة ومع الأقارب والأصدقاء لم تعد كما عهدها الإنسان ما قبل الثورة الاتصالية، حيث تأثرت أنماط التفاعل داخل المجتمع الحديث، وغيرت وسائل الاتصال الحديثة من شكل التفاعل داخل الأسرة، فالاحاديث الأسرية بين الأفراد لم تعد بنفس الدرجة السابقة، واصبح معظم أفراد الأسرة اكثر قابلية في التواصل مع هذه المستجدات وتكييف برامجهم اليومية وأنشطتهم وتفاعلاتهم بما يتناسب وحضور هذه الوسائل.
يتناول هذا المقال تطور الاتصال بين البشر منذ العصور القديمة حتى يومنا هذا، موضحًا كيف أسهمت اللغة والابتكارات التكنولوجية في تعزيز التواصل. يبدأ المقال بتعريف الاتصال البشري كظاهرة تطورت مع تطور الحياة الإنسانية، ثم يتطرق إلى مفهوم الاتصال الجماهيري ودور وسائله مثل الطباعة، السينما، الراديو، والتلفاز في تغيير أنماط التفاعل الاجتماعي. كما يناقش المقال تعريفات متعددة للاتصال وفقًا لآراء خبراء مثل كارل هوفلاند وجيهان رشتي، مسلطًا الضوء على العناصر الأساسية للعملية الاتصالية ودورها في تبادل الأفكار والمعلومات.
مفہوم الاتصال وتعريفه
ان سلوك الاتصال البشري مجال واسع متعدد المحاور؛ لذا يواجه الباحثون صعوبات لا حصر لها في الوصول الى تعريف شامل لمصطلح الاتصال لتنوع هذه الظاهرة وامتدادها، وفي أحيان كثيرة قد تقتصر تعريفات الاتصال على وجود المنبه والاستجابة؛ حيث ينقل الفرد متعمدا منبهات معينة لكي يحقق سلوكا معينا، ولكن فيها في بعض الأحوال لا يكون هناك رغبة في إحداث استجابة نتيجة لوصول منبهات الى المتلقين بشكل غير عمدي، فهل ينطوي ذلك الظرف على اتصال؟
يعرف الباحث "كارل هو فلاند" الاتصال بانه: "العملية التي ينقل بمقتضاها الفرد القائم بالاتصال منبهات لكي يعدل سلوك الأفراد الآخرين مستقبلي الرسالة" وفي هذه الحالة ينص التعريف على ان القائم بالاتصال ينقل عمدا "أي بشكل هادف" مـنـبـهـات لإحداث تـأثـيـر مـعـيـن.
ویرى "كولمان ومارش" 1955م ان الاتصال عملية مكونة من خمسة عناصر هي: الشخص المرسل ومضمون الرسالة الاتصالية والوسيلة والمستقبل واستجابة الأخير.
ويعرف "موريس" مصطلح الاتصال بانه يتناول أي ظرف يتوافر فيه مشاركة عدد من الأفراد في امر معين" لكن موريس يقصر الاتصال على استخدام الرموز لكي تحقق مشاركة لها مغزى، أي تحقق تألف حول قضية معينة سواء بواسطة الرموز او أي وسيلة أخرى يسميها موريس شيوعا.
ويرى الباحث ليندبيرج" ان كلمة اتصال تستخدم لتشير الى التفاعل بواسطة العلامات والرموز، وتكون الرموز عبارة عن حركات او صور اولغة او أي شيء اخر تعما كمنبه للسلوك.
فيما تعرف "جيهان رشتي" الاتصال بانه "العملية التي يتفاعل بمقتضاها متلقي الرسالة ومرسلها في مضامين اجتماعية معينة وفي هذا التفاعل يتم نقل أفكار ومعلومات بين الأفراد عن قضية معينة او واقع معين، فنحن حينما نتصل نحاول ان نشرك الآخرين ونشترك معهم في المعلومات والأفكار، فالاتصال يقوم على مشاركة المعلومات والآراء ولا يقصد بالمعلومات الأخبار او الحقائق فقط، بل المقصود بذلك أي مضمون يعمل على التقليل من عدم اليقين او عدد البدائل المحتملة في أي ظرف من الظروف.