تحميل كتاب أسس علم الاجتماع الدكتور محمود عودة.pdf
مقدمة
راودتني فكرة إعداد مؤلف في "أسس علم الاجتماع" منذ ما يزيد على أربع سنوات حينما عهد إلي تدريس هذا الموضوع في قسم الاجتماع بكلية الآداب. جامعة صنعاء. وكنت أستبعد داخلياً هذه الفكرة لأسباب عديدة لعل من أهمها قناعتي في ذلك الوقت بأن الجهد الأساسي لا بد وأن يتجه إلى إجراء البحوث والدراسات ذات الطابع الأصيل التي تساهم في فهم مجتمعنا ومشكلاته النوعية. ثم تفاعلت في ذهني أيضاً بأن مثل هذا العمل قد يعد تكراراً للكتب السابقة باللغتين العربية والأجنبية التي أصبحت تضم عدداً ضخماً من المؤلفات والترجمات التي تناولت قضايا المدخل إلى علم الاجتماع ومشكلاته الأساسية.
لكن الفكرة أصبحت أكثر إلحاحاً بتظافر إحساس بالمشكلات التي يواجهها الطلاب في إدراك وفهم لغة المؤلفات المؤلفة الأجنبية، وتفهم مشكلات الكتابات التي تتواتر بين المبالغة النسبية لشرح الكتب الأجنبية ومدى ما يصيب الواقع الاجتماعي المحلي. وازداد هذا الإلحاح بعد الحل المفضل لتقديم هذه الموضوعات والمشكلات من واقعها واحتياجاتها الحقيقية. على أنني شعرت بضرورة وضع هذه الفكرة موضع التنفيذ، لكن الأمر لم يكن سهلاً ميسوراً في ضوء المعايير التي حددتها سلفاً لهذا العمل، والتي من أهمها أن يكون مواكباً لأحدث التطورات التي وصل إليها علم الاجتماع على المسرح العالمي من ناحية، وأن يكون ذا دلالة واقعية من ناحية أخرى.
ولقد سار إنجاز هذا العمل في ضوء عدة معايير بدأت بإجراء مسح لأحدث المؤلفات الأجنبية، والعربية في الموضوع، وبصفة خاصة تلك المؤلفات المعدة للتدريس في الجامعات الأوروبية والأمريكية، وذلك للطلاب المبتدئين في علم الاجتماع، هذا فضلاً عن الاطلاع على المؤلفات والإجراءات شبه التأليفية لأسس الموضوعات وقضاياها.
ونظراً لاحساسي بالحاجة إلى ظهور هذا العمل في أسرع وقت ممكن لكي يلبي الحاجة إلى متابعة التطورات المعاصرة في العلم الاجتماعي فقد رأيت تنفيذ هذه الخطة على مراحل ولذلك يخرج هذا الكتاب - في هذه المرحلة - في بابين فقط ، يعالج الباب الأول الأسس النظرية والمنهجية في خمسة فصول:
فصول الكتاب
يناقش الفصل الأول مشكلات التعريف والعلاقة بين علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية الأخرى، ويناقش الفصل الثاني المشكلات المنهجية وبصفة خاصة ما يثار من جدل حول امكانية الدراسة العلمية للمجتمع الانساني. أما الفصل الثالث فيعالج ما يمكن أن نسميه بالمشكلات التاريخية أو مشكلات النشأة ، فيركز على التطورات المختلفة التي واكبت نشأة علم الاجتماع كنظام معرفي ، التطورات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والفلسفية والسياسية . ويعالج الفصل الرابع ما يمكن تسميته بالمشكلات النظرية متبادلاً. الاجابة عن تساؤل أساسي مؤداه لماذا تتعدد الرؤى للواقع الاجتماعي ، ويطرح في هذا الفصل المواقف النظرية المختلفة للواقع الاجتماعي كالبنائية الوظيفية والتفاعلية الرمزية ونظرية التبادل الاجتماعي والماركسية التقليدية ، ونظرية الصراع الاجتماعي ، والمثالية النقدية ، والبنوية الماركسية.
أما الفصل الخامس والأخير في هذا الباب فيتناول النماذج المختلفة للتحليل الاجتماعي فيعرض لنموذج دراسة المجتمع كحالة ثم الدراسة المقارنة ثم دراسة المنظومات الاجتماعية ثم يناقش المنظورات المتعددة لعمليات التحليل الاجتماعي ، هذه كالثنائيات الكبرى ، والتباين الاجتماعي الداخلي . والنظم الأساسية والنظم المترتبة والمطابقة ، والعقلانية ، وبعض المنظورات الحديثة الأخرى.
وينطوي الباب الثاني على معالجة للنظم الاجتماعية الأساسية وذلك في فصول ثلاثة حيث يناقش النظام الاقتصادي في الفصل السادس ، وهي المناقشة التي تبدأ بتحديد ماهية النظام الاقتصادي ثم تعرض للتصنيفات التقليدية للنظم الاقتصادية والتطور الاقتصادي ، ثم التصنيفات الماركسية ، ثم نماذج من التصنيفات الحديثة للنظم الاقتصادية التي تقوم على أساس فكرتي أسلوب الانتاج والتكوين الاجتماعي ثم ينتهي هذا الفصل بمناقشة لأنماط التطور الاقتصادي والنظم الاقتصادية في العالم الثالث انطلاقا من أفكار الرأسمالية المحيطية » ، وأسلوب انتاج ما بعد الاستعمار ، وتمفصل الأساليب الانتاجية.
ونعالج في الفصل السابع نظم التدرج الاجتماعي انطلاقا من اثارة التساؤلات المتعددة حول معنى التدرج الاجتماعي وطرح الاجابات المتعددة أيضاً لهذه التساؤلات حيث تناقش التفسيرات الوظيفية والماركسية ثم الاجابات التي قدمها « ماكس فيبر » ، ثم يعالج هذا الفصل أيضاً الأنماط التاريخية الكبرى للتدرج الاجتماعي كالعبودية والنظام الطبقي الاقطاعي والنظم الطائفية ، والنظام الطبقي الاجتماعي الحديث . وينتهي الفصل بمناقشة لمشكلات التدرج الاجتماعي والتحليل الطبقي في العالم الثالث . أما الفصل الثامن والأخير . في هذه المرحلة ـ فهو يكرس لمناقشة النظام السياسي من منظور سسيولوجي ، وينطوي على أربع نقاط أساسية ، التعريف السسيولوجي للنظم السياسية ، ومحاولات تصنيف هذه النظم ، والدولة والنظام السياسي والمجتمع ، والمناقشة الختامية.
وينبغي أن أشير هنا إلى أنني أعتبر هذه الطبعة بمثابة « مسودة ) مبدئية ، آمل أن أتمكن من انجازها في صورتها النهائية في مرحلة مقبلة باذن الله ، ولذلك سوف أكون سعيدا بأية ملاحظات أو انتقادات لهذا العمل من تلامذتي أو زملائي ، وسوف أضعها موضع الاعتبار والتقدير. ومن الجدير بالذكر أن هذا العمل لم يكن ليخرج إلى حيز الوجود بدون تلك الفرصة الرائعة التي أتاحتها لي كلية الاجتماع بجامعة ليلفيلد بألمانيا الغربية بدعوتها لي كأستاذ زائر لمدة شهرين تمكنت خلالها من الاطلاع على التطورات الحديثة في علم الاجتماع على المسرح العالمي وقدمت خلاله مناقشات دارت بيني وبين أساتذة وطلاب الدراسات العليا في تلك الجامعة، ولذلك أوجه بخالص شكري وتقديري للأستاذ الدكتور هانز - ديتر إيفرز عميد كلية الاجتماع بجامعة بيلفيلد، والأستاذ الدكتور جورج شتاوت رئيس وحدة بحوث الشرق الأوسط بنفس الجامعة على الفترة الخصبة والمثمرة التي قضيناها معاً. كما أشكر أيضاً الأخوة المصريين الذين يعدون لدرجة الدكتوراه في هذه الجامعة، وبالبلاد، وشادية قناوي المدرسة المساعدة بقسم الاجتماع بجامعة عين شمس، وفتحي أبو العينين المدرس المساعد السابق بنفس القسم، وجابر جاد نصار الباحث بالجامعة القاهرة، فقد كان تجاوبهم وتفانيهم ونسجيهم أكبر الأثر في إنجاز هذا العمل.
ولا يسعني في النهاية إلا أن أؤكد بأن هذا العمل بعد أيضاً ثمرة من ثمار المناخ الأخوي الممتاز الذي يسود قسم الاجتماع بجامعة عين شمس والذي نعتز جميعاً بالانتماء إليه.
د. محمود عوده