مدخل الى الفلسفة - مطبوعة بيداغوجية / د.نبيل مسيعد

مقدمة:

تشير أغلب الدراسات التي تناولت تاريخ الفكر الفلسفي إلى ظهور هذا النوع من التفكير في صورته الواضحة كان في بلاد اليونان بداية من القرن السادس قبل الميلاد، واستمر هناك لغاية قيام الإمبراطور جستينيان على غلق أكاديميته أثينا سنة 529 م. وفيها تم تأسيس الكثير من المدارس الفلسفية بعقائدها المختلفة وتنوعت لدرجة دفعت البعض إلى القول بأن الفلسفة يونانية، وإنها ظهرت هناك مكتملة دون أن تترك مجال الشعوب المجاورة في إصناع الأرض لإضافة شيء، أو أشرح ما وصلها من آراء فلاسفة اليونان. وهذا ما يعرف بالمعجزة اليونانية. غير أن ذلك لا تفوق الإنسان اليوناني، لكن أغلب الآراء ترى أن اليونان لا يتميزون عن غيرهم بصفات ذهنية خارقة أو زيادة في الذكاء وموهبة في الخيال، يرون أن ظهور الفلسفة لا يعود لأسباب عرقية وإنما لعوامل طبيعية لها صلة بالمناخ وموقع اليونان فهي تطل على البحر الذي يمكننا من الاتصال السهل مع شعوب كثيرة في كل الاتجاهات، وتفتح عوائق ومرافئ طبيعية لاستراحة السفن التجارية، والأكيد أن هذه الاستراحة سمحت بفترات كثيرة على اليونان في الجانب الاقتصادي وسينعكس إيجابًا على النشاط الفكري وما يجعله من تصورات جديدة عن العالم قادمة من مناطق مختلفة.

وهي أداة معقولة إلى حد بعيد، لكن هذا لا يسمح بالقول أن الفلسفة أو التفكير الفلسفي لم تعرفه الشعوب الأخرى في القارات الأوروبية أو غيرها من القارات، لأن البحث في تاريخ الحضارات كشف عن وجود أطماط كثيرة من التفكير في الصين والهند وبلاد فارس، وقبل ذلك كانت ضفاف نهري دجلة والفرات عامرة بحضارات معتبرة ومثلها على نهر النيل في مصر وقد تركت هذه المجتمعات آثار شهدت على مارستنا للتفكير العقلي في كل ما يحيط بالإنسان، بل نجد من يرى أن الفلسفة اليونانية هي في الأساس تراث شرقي تم نقله إلى بلاد اليونان زمن الإسكندر الأكبر دون وجه حق.

ولهذا كان من الضروري القيام بإطلالة سريعة على الفلسفة وتاريخها حسب ما يوفره الوقت المخصص لتدرس الفلسفة في السنة الأولى ليسانس وهو مساعي واحد سنحاول فيه التعريف بالفلسفة ومناهجها، والإشارة لوظائفها وقيمتها وعلاقتها بالدين والعلم مع عرض سريع لأبرز عطائها التاريخية.