مدخل وتمهيد حول تاريخ الفلسفة اليونانية مراحلها ، مدارسها وأهم أعلامها
متى بدأت الفلسفة اليونانية؟
ما هي العوامل التي ساهمت في تشكّل هذه الفلسفة؟
ما هي الموضوعات التي تناولتها تلك الفلسفة؟
و ما هي الأطوار التي انتقلت عبرها الفلسفة اليونانية؟
من هم أبرز فلاسفة اليونان و ما هي أهم نظرياتهم حول مختلف الموضوعات الفلسفية؟
مقدمة تفصيلية إلى تاريخ الفلسفة
الفلسفة هي العلم الذي يسعى لفهم الواقع، الطبيعة، الإنسان، والمجتمع من خلال التفكير العقلي والتحليل. منذ بدايتها، مرت الفلسفة بمراحل متعددة وتطورت عبر العصور المختلفة، لتصبح غنية بأفكار ومفاهيم تتحدى حدود الفهم البشري. هنا نظرة تفصيلية على المراحل الرئيسية لتاريخ الفلسفة:
1. الفلسفة القديمة (اليونانية):
بدأت الفلسفة في اليونان القديمة حيث كان سقراط، أفلاطون، وأرسطو في طليعة الفلاسفة الذين أسسوا أنظمة فلسفية تركزت على البحث عن الحقيقة وفهم طبيعة الوجود. سقراط ركز على الحوار الفلسفي والنقاش الأخلاقي، بينما أرسطو أسس أول نظام شامل للمنطق والفلسفة الطبيعية.
2. فلسفة العصور الوسطى:
شهدت العصور الوسطى تفاعل الفلسفة مع الدين، خاصة مع الفلاسفة المسيحيين مثل القديس أوغسطين وتوما الأكويني. كانوا يحاولون التوفيق بين الفلسفة اليونانية وتعاليم الكنيسة المسيحية، مما أدى إلى ظهور فلسفة لاهوتية قوية تؤكد على دور الإيمان والعقل في الوصول إلى الحقيقة.
3. الفلسفة الحديثة:
ظهرت الفلسفة الحديثة في عصر النهضة مع الفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي أسس منهج الشك المنهجي وعبارته الشهيرة “أنا أفكر إذن أنا موجود”. ثم جاء فلاسفة مثل سبينوزا وكانط، الذين ساهموا في تطوير الفكر الفلسفي من خلال التركيز على العلاقة بين المعرفة والعقل، وعلى مفاهيم مثل الحرية والأخلاق.
4. الفلسفة المعاصرة:
تمتد الفلسفة المعاصرة من القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا. خلال هذه الفترة ظهرت تيارات فلسفية متعددة مثل الوجودية مع سارتر ونيتشه، والتحليلية مع برتراند راسل. كما شهدت الفلسفة المعاصرة تطورًا في مجالات فلسفة اللغة، العلوم، والأخلاق.
تابعوا “فلسفة تيك أواي” لاكتشاف المزيد من الأفكار والمفاهيم الفلسفية المثيرة عبر العصور!
مدخل وتمهيد حول تاريخ الفلسفة اليونانية مراحلها ، مدارسها وأهم أعلامها . |
هناك فارق ليس بالبسيط بين أن تحيل وجود العالم لقوى أسطورية أو خارقة، وبين أن تعزو هذا الوجود لأسباب طبيعية بحيث يكون بمقدورك البرهنة عليها بالأدلة الحسّية أو العقلية، وهذا الفارق الدقيق هو السمة الأساسية التي تميّزت بها الفلسفة اليونانية، كما أن كلا الاعتقادين (الأسطوري والمادّي) يستتبع منظومة أخلاقية كاملة تبعاً لاعتقادنا بأي منهما. فأيّ الوجهتين تبنّت الفلسفة اليونانية؟
الفلسفة اليونانية هي الفلسفة التي نشأت في القرن السادس قبل الميلاد في بلاد الاغريق ومجموعة المقاطعات المحيطة بها، ودارت مسائلها في البداية حول البحث العقلي والعلمي عن جواب التساؤل حول أصل العالم؟ وبطبيعة الحال فاليونانيون لم يكونوا أول من طرح هذا التساؤل، فقد لا يخلو أي إرث حضاري من البحث عن جواب لهذا السؤال، ولكن الجديد في الفلسفة اليونانية كان البحث عن إجابة عقلية علميّة بعيداً عن التفسيرات الأسطورية الغيبية التي كانت سائدة في الفلسفات الشرقية القديمة، وعند هذه النقطة بالذات تكمن أصالة الفلسفة اليونانية، وقطيعتها مع الفكر الشرقي الأسطوري.
ولكن ذلك لا يعني أن الفلسفة اليونانية المادّية قد خلت تماماً من الميتافيزيقية، إلّا أن هذه الأفكار لا تعدو كونها تأثراً بالحضارات المجاورة كالفينيقية والفرعونية، فالقطيعة لم تكن كاملة تماماً، ولنكن منصفين فالفلسفة اليونانية في مراحلها الأولى كانت (محاولة) للخروج من التفكير الأسطوري التام نحو فكر (أكثر معقولية) في البحث عن تفسير الوجود.
ماذا نقصد بكلمة الإغريق؟
لا تقتصر تلك اللفظة على سكان اليونان الوطن الأم (أثينا)، ففي العصور القديمة للتاريخ هاجر يونانيو الأرض الأم إلى جزر بحر إيجة وصقلية وجنوب إيطاليا وساحل آسيا الصغرى (تركيا) أسسوا مستعمرات مزدهرة، لذلك سنتناول الفلسفة اليونانية عرقيّاً أكثر منه جغرافياً، حيث أن الفلسفة اليونانية من أرضها الأم لا نجدها إلا بدءاً من سقراط وفلسفته وما بعد.
العلاقة بين الفلسفة اليونانية والنتاج الحضاري السابق والمجاور:
لنكون موضوعيين في طرحنا يجب بداية ألّا ننكر الدور الحضاري الهام الذي أحدثته الفلسفة اليونانية في تاريخ تطوّر الفكر البشري، ولكن النزعة الأوروبية المتعالية التي تزعم أن الحضارة الحقيقية والنهضة الفلسفية الحقيقة لم تبدأ إلا من بلاد الإغريق بها من الإجحاف ما يمكن دحضه بالوثائق التاريخية على قلّتها إلّا أنها معين هام لإثبات الخطأ الجزئي لهذا الادعاء الغربي المتعجرف.
1- الفكر اليوناني ليس إلا فكر شعب بين الشعوب، وفلسفته ليست إلا لوناً من ألوان الفكر، وكل الحضارات تقف على قدم المساواة، فالحضارة عمل "تراكمي" القديم منها يؤثر في اللاحق وهكذا...
2- ليس هناك مجال للمقارنة من حيث "القيمة" بين الحضارات ولا بين ألوان الفكر التي تنتجها، فكل حضارة هي كيان قائم بذاته، وتقف على قدم المساواة، أما المقارنة التقويمية المشروعة الوحيدة، فتكمن في إطار كل حضارة على حدة ضمن أطوارها المختلفة ذاتها.
مصادر معرفتنا بالفلسفة اليونانية:
في المرحلة التي سبقت سقراط لا تتوافر لدينا الكثير من المصادر، لذلك فالباحثون في الفلسفة اليونانية يعتمدون على كتابات الفلاسفة اليونان الذين دوّنوا الكتب والفلسفة وعلى رأس هؤلاء "أفلاطون" و"أرسطو"، وهؤلاء قد ذكروا في كتبهم الكثير عن الفلاسفة اليونان المعاصرين لهم أو السابقين لهم.
المراحل التي مرّت بها الفلسفة اليونانية:
إن تقسيم الفلسفة اليونانية لمراحل لا يعتمد فقط على التتالي الزماني لفلاسفتها فحسب، بل إن أهم ما يؤخذ بعين الاعتبار هو السمات المميزة لطريقة تناول الفلاسفة اليونان لموضوعات الفلسفة.
اقرأ أيضا قراءة في كتاب من سقراط إلى سارتر PDF
وهناك شبه إجماع من قبل مؤرخي الفلسفة على تقسيم الفلسفة اليونانية إلى مراحل أساسية، منها المرحلة الأولى وهي مرحلة (الفلسفة اليونانية ما قبل سقراط)، ثم مرحلة الفلسفة الطبيعية أو "المادّية"، وتمثّل سمتها الأساسية البحث عن أصل الكون من خلال المادة، حيث تناولت موضوعاتها تساؤلاً أساسيّاً وهو "ما هي المادة الأولى التي يتشكّل منها العالم؟" خلافاً للسؤال الأساسي الذي كان مطروحاً وهو: "ما هي القوى التي أعطت الوجود للعالم؟" والفارق بين السؤالين بغض النظر عن دقّة الإجابة يمثّل الفارق بين البحث العلمي العقلي وبين البحث الميتافيزيقي الأسطوري كما أشرنا من قبل.
أولى هذه المدارس هي المدرسة "الأيونية"، نسبة إلى "أيونيا" (Ionia) وهي إقليم في الجانب الغربي من آسيا الصغرى. وسمّيت بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة من قبائل الاغريق القدامى، ويتألف هذا الاقليم من اثنتا عشرة مدينة، كانت كل مدينة تحكم نفسها حكماً ديمقراطياً مستقلاً، ولكنها كانت ترتبط مع بعضها البعض بمصالح دينية مشتركة، ومن أشهر هذه المدن (آفسوس) و(ميليتوس – ملطية). وأشهر فلاسفة الأيونية هم:طاليس (624-550 ق.م)، وانكسمندر (611 -547 ق.م)، وانكسيمنس (558-524 ق.م). وكان لكل من هؤلاء الفلاسفة رأيه حول أصل العالم، ولكنه رأي مادّي، أي أن أصل العالم ومبدأه الأول هو مبدأ مادّي وليس روحانياً أو مجموعة قوى غيبية خارقة، وسنتعرّف على رأي كل واحد منهم على حدة في هذه السلسلة لاحقاً.
المدرسة الثانية: (الفيثاغوية) وعلى رأس الفلاسفة الفيثاغوريين الفيلسوف والرياضي الشهير (فيثاغورس 580 -470 ق.م)، وعلى الرّغم من أن الفلسفة الفيثاغورية لجأت لتفسير العالم تفسيراً طبيعياً إلّا أن تفسيرها كان عقلياً وليس مادّياً كالأيونيين، لأن الفيثاغورية اعتمدت على الرياضيات وعلم العدد في تفسير العالم وظواهره، بل وأيضاً في تفسير الأخلاق.
المدرسة الثالثة: الإيلية والإيليّون، وهي مدرسة اهتمت بالأخلاقيات أكثر من الطبيعيات، من أشهر روّاد هذه المدرسة: إكسنوفان 570 ق.م، بارمنيدس 514 ق.م، زينون الإيلي 489 ق.م.
المدرسة الرابعة: الذرّية أو مذهب الجوهر الفرد، وعلى رأسها ديمقريطس (470 – 360 ق.م).
وأيضاً نجد في الفلسفة اليونانية ما قبل سقراط فلاسفة آخرين لهم آراؤهم ونظرياتهم التي وصلت إلينا، نذكر منهم: هيرقليطس (535 – 475 ق.م)، امبيدوقليس (495 – 435 ق. م)، انكساغوراس (500 – 428 ق. م).
ثم بعد ذلك أخذت الفلسفة اليونانية منحى آخر نحو مواضيع تهتم بالإنسان وسعادته وخيره ومعرفته، عوضاً عن الفلسفة الطبيعية التي ذكرناها قبل قليل، والتي اهتمت بموضوعات العالم المادي أكثر من الإنسان.
المصادر:
د. ماجد فخري: تاريخ الفلسفة اليونانية، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الأولى، 1991.وولتر ستيس: تاريخ الفلسفة اليونانية، ترجمة: مجاهد عبد المنعم مجاهد، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1984.