خمسة كتب تقدم لك الفلسفة من الصفر شادي عبد الحافظ.
دعنا لا ننظر فقط إلى الجانب المظلم، فعلى الرغم من الهزائم الظاهرة التي لاقتها سنوات الربيع العربي، إلا أن فكرة الثورة ذاتها قد دفعت مئات الآلاف من الشباب إلى عوالم جديدة ومختلفة، ومع كل تلك الثورة الداخلية في قلوب وعقول هؤلاء، بجانب ثورة تواصل اجتماعي عالمية غير مسبوقة، نما لدى الكثيرين حس بأهمية القراءة والتعلم، خاصة مع توفر المصادر المجانية والرائعة متنوعًة بين كتاب ومحاضرة ومساق.ومن بين ذلك كله خرجت الفلسفة، بجانب العلم، كأحد الاهتمامات الرائجة بين الكثيرين من الشباب، لكن المشكلة كانت دائمًا إيجاد المصدر المناسب للبداية الحقيقية مع الفلسفة، في تلك النقطة تظهر مجموعتان من النصائح، تقول الأولى: إن بداية مبسطة مع الفلسفة يمكن أن تكون عبر القراءة في تاريخها، وتقول الثانية: إن تاريخ الفلسفة لا يهم كثيرًا في البداية، بل تحتاج أن تتعلم عن الأفكار الرئيسية للفلسفة المعاصرة، وسوف يأتي التاريخ في السياق.
خمسة كتب تقدم لك الفلسفة من الصفر. |
في هذا التقرير سنقدم خطة مبسطة تبدأ بك من الصفر في تاريخ الفلسفة وتنتقل بك شيئًا فشيئًا إلى مستويات أعلى لن تكون متخصصة لكنها ستفتح لك الباب للتخصص إن أردت، لكن دعنا نوضح أننا فقط نتحدث في تاريخ الفلسفة وليست الفلسفة نفسها، وإن كان هناك تداخل بالطبع، لكننا نقصد أن هناك كتبًا رائعة تشرح الفلسفة نفسها كمقدمة مبسطة وممتعة، لكن سوف نخصص لها تقريرًا آخر في فرصة قريبة ولا شك، سوف نعرض بعض الكتب كمراحل أساسية، لكننا قد نتحدث عن كتب مصاحبة لها جانبية، إما لأنها لنفس المؤلف، أو فقط لأنها تتحدث في نفس المنطقة وتكمّل كتبًا أخرى.
من الصفر
لنبدأ بالمرحلة الأولى، والتي نتصور أنها أبسط ما يكون لقراءة تاريخ الفلسفة والتعرف إليه، ولدينا هنا ثلاثة كتب أساسية، يمكن أن تختار منها ما تحب، الأول: هو كتاب “عالم صوفي”، تلك هي الرواية الوحيدة في تلك القائمة، لكنها ليست رواية بالمعنى المفهوم، إنما هي أحد أفضل وأسهل وأهم مداخل الفلسفة وتاريخها على الإطلاق للمبتدئين من الصفر، حيث استطاع جوستاين جاردر، مؤلف الرواية التي نالت شهرة واسعة وبيع منها مئات الآلاف من النسخ حتّى أصبحت سنة 1995 الرواية الأكثر رواجًا في العالم، أن يشرح الأساسات الهامة للمدارس الفلسفية على مدى تاريخنا بداية من الماضي بأساطيره والميثولوجيا التي شكلته حتى الفلسفة الحديثة. الكتاب سهل رغم ضخامته، يصلح لمستوى مبتدئ جدًا من الصفر، ويحكي الفلسفة بأسلوب حواري ممتع جدًا لن تجد ما هو أسهل منه أبدًا.أما الكتاب الثاني فربما لا يجد شهرة واسعة لدى هواة الفلسفة في العالم العربي، وهو كتاب: “مدرسة الحكمة” للدكتور: عبد الغفار مكّاوي، والملفت في هذا الكتاب هو أسلوبه، فبجانب سهولته ومناسبته لقارئ مبتدئ إلا أن الكاتب قد نجح بالفعل في مهمته، والتي لم تكن شرح قطوف من تاريخ الفلسفة بقدر ما كانت دعوة للتفلسف، مكّاوي يعرض لمجموعة من الأفكار الفلسفية المثيرة للدهشة، والتي تدع القارئ معها للاندهاش، ومبدأ الرجل هنا واضح وبسيط: حتّى وإن كنّا نشرح تاريخ الفلسفة، فلا فلسفة دون تفلسف، وعلى القارئ أن يتفلسف هو الآخر.
يبدأ الكتاب من هيراقليطس، ثم سقراط، فأفلاطون، مرورًا ببسكال ونيتشة وهايدجر إلى ألبير كامي، بأسلوب أدبي بديع وبسيط ويختلف كثيرًا عن الترجمات، والتي هي معظم قراءاتنا في هذا المجال، فتستشعر قدرًا من الدفء والهدوء بينما تقرأ، ينجح مكّاوي -لا شك- في مهمته ويدفعك للتفكير والتأمل طوال قراءة الكتاب، خاصة حينما يقتبس -من حين لآخر- من كتب هؤلاء الفلاسفة ما يساعد على ذلك، لا نقول: إن الكتاب “بسيط للغاية”، ولكنه بسيط لدرجة تدفعك أن تحاول فهم ما فيه.
كتاب آخر لنفس المؤلف يمكن أن نعتبره مكملًا لسابقه، هو “لمَ الفلسفة؟”، وكلاهما من إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة مكتبة الأسرة، وينقسم هذا الكتاب لجزأين رئيسيين، الأول: يحاول أن يجيب عن سؤال العنوان عن طريق محاولة لشرح ما يعنيه الأمر أن تتفلسف، ثم يقدم الكاتب بعد ذلك أطلسَ فلسفيًّا بسيطًا يمثل لوحة زمنية سريعة لتاريخ الفلسفة يبدأ بالهند والصين وصولًا إلى الفلسفة الغربية، هذا الجزء مهم، فعلى الرغم من سرعته وخطفه للتاريخ الفلسفي كاملًا في حوالي 60 صفحة، إلا أنه سيجنبك مشكلة كثيرًا ما تواجهها حينما تدخل إلى تاريخ الفلسفة، وهي خلط الفلاسفة وفتراتهم الزمنية، في النهاية دعنا نوضح أن للكاتب توجهًا فلسفيًّا يحاول ـلا شكـ أن يؤيده في كتابيه، فقد تجد بعض التحيز.
أما الكتاب الثالث في هذه الفئة المبسطة، والتي تصلح للمبتدئين من الصفر، فهو: “قصة الفلسفة – من أفلاطون إلى جون ديوي” للمؤرخ الشهير “ويل ديورانت”، الكتاب هو -لا شك- أحد درر تبسيط الفلسفة، ونوصي أن يمر به كل مبتدئ في مرحلة ما، خاصة أن الترجمة السلسة للدكتور فتح الله المشعشع قد ساعدتنا كثيرًا على استكشاف روعته بشكل أفضل، حيث بدا الأمر لوهلة وكأن كاتبًا عربيًا هو من يحكي لنا عن الفلسفة وتاريخها وتطورها.
إنه كتاب ضخم لا شك، حوالي 600 صفحة، لكن على الرغم من ذلك فإنك لن تستشعر الكثير من الثقل، وهو سمة أصيلة للكتابات الفلسفية، في أثناء رحلتك مع الكتاب، لديورانت أسلوب سلس، حكائي الطبع، تستشعر لوهلة وكأنك تجلس أمام المؤلف وهو يحكي لك عن هذا العصر وتلك الفلسفة وهذه المجموعة من الأشخاص، يبرع الكاتب في وصف شخصيات الفلاسفة بأسلوب بارع يقترب من كونه أدبيًا، أما في الأفكار الفلسفية فهو لا يفصلها عن مؤسسيها، ولكنه يحكيها في صورة تساؤلات ممتعة غالبًا قد عبرت أرض تساؤلاتك الخاصة في مرحلة ما.
إن أهم ما يميز فصول هذا الكتاب هو الحبكة، يهتم ديورانت بعرض مقدمة وخاتمة غاية في البراعة والبساطة والتشويق، فتجذبك إلى الاستمرار في كتابه، وهو من حين لآخر يتوقف جانبًا ليطيل الحكي حتّى تهدأ من ثقل الفكرة، ثم يعود من جديد لاستكمال طريقه، وهذا هو بالأساس سر طول الكتاب، والذي يعرض في 11 فصلًا تاريخ الفلسفة بداية من الفلسفة اليونانية في الفصلين الأول والثاني، ثم فصل كامل لكل من بيكون، سبينوزا، فولتير، كانط، شوبنهاور، سبنسر، نيتشة، ثم ينتقل إلى حديث عن فلاسفة أوروبا وأمريكا المعاصرين.
راسل يقدم الفلسفة الغربية
كانت تلك الكتب الثلاثة هي أفضل بدايات ممكنة متاحة للقراءة، يميزها كذلك أنها جميعًا متاحة على الإنترنت بسهولة، بحث قصير على جوجل وسوف تجدها بسهولة، ويميزها كذلك أنها تختلف في المنهجية التي يتخذها الكاتب في عرض تاريخ الفلسفة، تلك المقدمة المهمة لتاريخ الفلسفة سوف تفتح لك الباب لقراءات متنوعة أكثر تخصصًا تكون الأفكار الفلسفية خلالها أكثر وضوحًا، أما في المرحلة المقبلة فاسمح لنا أن نبدأ معك من برتراند راسل الفيلسوف الشهير وتحفته المعروفة “تاريخ الفلسفة الغربية”.
لا يمكن أن نعرف هذا الكتاب على أنه محاولة لسرد تاريخ الفلسفة بالمعنى المفهوم، لكنه أقرب لخواطر فيلسوف كبير معروف بذكائه الشديد وسهولة أسلوبه حول تاريخ الفلسفة، كذلك فإن راسل لم يمنع نفسه من حكي الفلسفة من وجهة نظر فلسفته الخاصة، وقد أوضح في المقدمة أنه لا يمكن لفيلسوف بسهولة أن يحكي تاريخ الفلسفة دون تحيز، لذلك لاقى هذا الكتاب بعض النقد لتلك الأسباب وغيرها، لكن على الرغم من ذلك فإن كتابة الفيلسوف لتاريخ الفلسفة هي تجربة فكرية شيقة وممتعة.
و”تاريخ الفلسفة الغربية” هو -لا شك- أحد أهم كتب الفلسفة للمهتمّين الذين يودون سبر أغوارها إلى مستوى ليس متقدمًا بالمعنى المفهوم لكنه – بالنسبة لهم – سيكون إنجازًا أن يصلوا إلى هناك، نحن نعرف أن برتراند راسل هو أحد أروع الأقلام التي كتبت للناس، يتميز أسلوبه -بجانب البساطة- بدرجة من الذاتية والشك، والذي غالبًا ما سوف يلامس جزءًا منك كان يطلب أن تُحكى له الأمور بتلك الطريقة، فكلما حكى الكاتب وكأنما يحكي تجربته ارتبط القرّاء به، أضف لذلك أن راسل ليس فيلسوفًا عاديًا، نحن هنا أمام أحد أهم فلاسفة القرن العشرين، وهو عاش قرابة القرن من الزمن، لذلك فإن تجربته ذاتها مثيرة للاهتمام.
الكتاب ضخم، في ثلاثة أجزاء (الفلسفة القديمة، الكاثوليكية، ثم الحديثة) تمر في حوالي 1000 صفحة في مجموعها، سوف يحتاج منك درجة أكبر من الصبر والجهد، فهو ليس ببساطة الكتب الثلاثة السابقة لا شك، لكنه يمكن أن يكون المرحلة التالية والتي ستنقلك لمستوى أكثر عمقًا. كذلك فإن الترجمة ليست سهلة، تبدو باردة في بعض الأحيان، مع أخطاء كتابية كثيرة بصورة تدعو للتعجب، سوف يكون ذلك مرهقًا بعض الشيء، لكن الكتاب يستحق.
في تلك النقطة ربما يجب أن نوضح أن القراءة في الفلسفة وتاريخها ليست بسهولة قراءة الروايات مثلًا، يحتاج الأمر في بعض الأحيان إلى الكثير من التركيز وإعادة القراءة، وكذلك ستكون هناك حاجة دائمة إلى الخروج من الكتاب في رحلة قصيرة نحو جوجل أو يوتيوب في بعض الأحيان لتقصّي نقطة ما دون غيرها، خاصة النقاط الرئيسية في خط سيرك، وهنا ننصح بتلك الفيديوهات القصيرة والتي تقدم الفكرة المبسطة، سيعينك التعرف إلى الفكرة العامة على فهم الفصول التي تتعثر عليك قراءتها.
في نفس السياق، وإذا بدا لك هذا الكتاب مرهقًا، فيمكن لك أن تتأمل نسخة أقل حجمًا منه، كتبها راسل بعد عدة سنوات تحت عنوان “حكمة الغرب”، الكتاب الأخير هو أيضًا سرد لتاريخ الفلسفة الغربية مع فارق واحد وهو أن “تاريخ الفلسفة الغربية” يركز بصورة أكبر على الأفكار الفلسفية ذاتها، بينما يركز “حكمة الغرب” على العرض التاريخي للفلسفة الغربية في إطارها السياسي والاجتماعي، وهو ما دعا راسل للقول: إن الأول هو ما نتج الثاني، لكن في كل الأحوال فإن الأخير ذو ترجمة أكثر سلاسة، وأقل برودًا، ولا توجد به أخطاء كتابية.
تاريخ الفلسفة للطلبة!
حسنًا، في تلك المرحلة الأخيرة من حديثنا، ربما كان من الأفضل أن نضع واحدًا من أهم الكتب التي تتعرض للفلسفة الغربية، فبجانب المجموعة المُبسطة الأولى، إن حصل وبذلت بعض الجهد معها وتعلمت قليلًا عن الفلسفة، فالقفزة التالية لا شك ستكون ناحية “تاريخ الفلسفة الحديثة” لويليام كيلي رايت، وهي قفزة شاهقة وضرورية لعدة أسباب تتعلق جميعها بالأسلوب الذي كُتبت به هذه التحفة الفلسفية المبسطة.
حيث إن الهدف الرئيس من هذا الكتاب هو ـ كما وضّح كاتبه في المقدمة ـ أن يكون مدخلًا في الفلسفة الحديثة لطلبة الجامعة ممن لديهم معرفة ضئيلة أو ليست لديهم أية معرفة سابقة بالفلسفة، وهو أيضًا -يستمر رايت في التوضيح- موجه للعامة من غير دارسي الفلسفة، فالكتاب يقدم خطة عمل تكمل بعضها البعض، وتتقدم شيئًا فشيئًا بحيث تصبح بالتدريج أكثر فهمًا لأساسات الفلسفة، فيحدث في الفصول الأخيرة مثلًا أن تلتقي بفلاسفة أكثر تعقيدًا، لكنك قد أصبحت جاهزًا لاستقبالهم وكوّنت قاعدة مناسبة جدًا.
لهذا السبب فإن الكتاب هو أهم ترشيح في تلك المجموعة، فهو لا يقدم الفلسفة من وجهة نظر ذاتية، ولا يحكيها في شكل تأملات أو قصص ولا يمتلك إلا هدفًا تعليميًّا، بالتالي فإن هذا الكتاب -وإن كان أكثر برودًا في أسلوبه- سيضع قدميك على الطريق الصحيح في القراءة الفلسفية، لذلك ستجد أن: رايت يقسّم فصولة جيدًا، ويربط بين كل نقطة وسابقتها والتي تليها، ويضع خطة عامة، ومقدمات توضيحية، وفي آخر كل فصل ستجد مجموعة من المراجع الهامة والمفيدة.
للوهلة الأولى ستتباطأ سرعتك مع هذا الكتاب، خاصة أن عدد صفحاتة يصل إلى 600 ما قد يحبطك قليلًا، لكن الفكرة ليست فيما يقدمه من معارف، فهي مصممة تمامًا لتناسب قدرات شخص مثلك لا يعرف، أو يعرف القليل، عن الفلسفة، لكن المشكلة في أسلوب الكتابة التي تتخذ طابعًا غير شعبي، أكاديميًّا، بعض الشيء، لكن من المهم جدًا في خطوات قراءاتك الفلسفية أن تتعرض لهذا الأسلوب وتتعلم المضي معه قُدُمًا، البداية قد تكون صعبة بعض الشيء لكن، صدق أو لا تصدق، فإنه مع الوقت ستمتلك قدرًا وافيًا من الألفة مع الكتاب.
بالطبع هناك الكثير من الكتب المهمة التي تحكي تاريخ الفلسفة، لكن تلك المجموعة هي اختيار يعدك الكاتب أنه سيكون مفيدًا بدرجة واضحة، كما حقق -هو نفسه- فائدة جمّة منها في أثناء قراءاته الأولى في الفلسفة ثم الولوج إلى مجال فلسفة العلم الذي يحبه، في كل الأحوال يمكن أن تتخذ من هذه المجموعة بداية صلبة تمكنك فيما بعد من الوصول -في مرحلة ما- إلى الروائع كـ “تاريخ الفلسفة الغربية” لفريدرك كوبلستون، وهو أحد أهم الأعمال التي كُتبت في تاريخ الفلسفة، أو اجتياز محاضرات أرثر هولمز والتي تحدثنا عنها من قبل في تقرير منفصل للمساقات المميزة بعنوان “خمسة مساقات فلسفية هامة.. لكنها غير مشهورة”.
الخاتمة
يمكن القول: إن القراءة في، أو عن، الفلسفة هي أمر صعب بالطبع، سوف تحتاج -ربما- أن تغير من الطريقة التي تقرأ بها من الأساس، لكن التفلسف هو فعل ممتع، ممتع جدًا في الحقيقة. لقد ولدنا، نحن البشر، وبدرجة ما، كفلاسفة، السر الرئيس لتعلمنا عن هذا العالم كان الاندهاش. نعم قد تحتاج لبذل بعض الجهد في البداية، الكتب الأولى تكون الأكثر صعوبة بحيث تدفعك لتصور أن الطريق طويل جدًا وصعب للغاية، لكن الأمر لن يستمر على هذا المنوال، فمع الكتاب الخامس مثلًا في مجال ما، وبعد فترة لا تزيد عن أربعة إلى ستة أشهر، فإن سرعتك في القراءة والفهم سوف تزيد بدرجات لوغارتمية. دعنا في تلك النقطة نقول لك: إن الأمر -فعلًا- يستحق.
المصدر : الجزيرة