📁 آخر الأخبار

المفاهيم الأساسية عند المفكر الفرنسي بيير بورديو The fundamental concepts

المفاهيم الأساسية عند المفكر الفرنسي بيير بورديو The fundamental concepts

التعريف بالكاتب في سطور :

بيير بورديو (1930-2002 )باحث فرنسي عالم اجتماع وأحد أكبر مفكري العصر الحديث ؛درس الفلسفة في مدرسة المعلمين بباريس ؛ارسل الى الجزائر حيث ادى الخدمة العسكرية  فدرس في كلية الاداب في الجزائر؛ واهتم بالدراسات الانثروبولوجية والاجتماعية؛ وبعد عودته الى فرنسا كتب "سوسيولوجيا الجزائر" ثم اصدر " ازمة الزراعة التقليدية في الجزائر " . درس الفلسفة في السوربون ثم اصبح مديرا لمعهد علم الاجتماع الاوربي  وانتخب  عام 1982 لكرسي علم الاجتماع  في " الكوليج دو فرانس" ...

المفاهيم الأساسية عند المفكر الفرنسي بيير بورديو The fundamental concepts
المفاهيم الأساسية عند المفكر الفرنسي بيير بورديو The fundamental concepts.

عرف علم الاجتماع على يديه تطورا علميا واضحا وتجديدا كبيرا في المصطلحات ؛ فقد احدث ثورة في طريقة تحليله للظواهر الاجتماعية والسياسية والثقافية.لقد تنوعت اهتماماته في العلم والسياسة والفن والتربية والصحافة...وانخرط في الصراع الاجتماعي والسياسي؛وشارك عمليا في حراك مجتمع  واكسبه نضاله الفكري والميداني صيتا عالمياقام بترجمة الافكار والمواقف التى نادى بها على ارض الواقع فعمل على نقلها مما هو نظري الى ماهو تطبيقي وعملي .

أعماله

سوسيولوجيا الجزائر )1958)إعادة الإنتاج. أصول نظرية في نظام التعليم (1970)التمييز -التميز. النقد الاجتماعي لِحُكم الذوق (1979)الْحِس العملي (1980)مسائل في علم الاجتماع (1984)الإنسان الأكاديمي (1984)إجابات. من أجل إنسيات انعكاسية (1992)بؤس العالَم (1993)في التلفزة (1996)في التلفزة (1996)السيطرة الذكورية (1998)البنيات الاجتماعية للاقتصاد (2000)علم العلم والانعكاسية (2001)العنف الرمزي. بحث في أصول علم الاجتماع التربوي (ت.نظير جاهل)،1994أسئلة علم الاجتماع (ت.إبراهيم فتحي)، 1995عن التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول (ت.درويش الحلوجي)، 1999السيطرة الذكورية (ت.أحمد حسان)،2001

المفاهيم الاساسية عند بورديو

معروف ان علم الاجتماع ( السوسيولوجيا ) "علم خاضع للجدل وبمعنى انعدام اي تعريفات ملزمة ومتفق عليها لأي من المبادىء الاساسية التي يستخدمها علماء الاجتماع في ابحاثهم" [1] ولعل هذا ما اعطى دفعة قوية لهذا العلم وجعله متسما بالاستمرارية والتدفق وتنوع الدراسات للظاهرة الواحدة مع اختلاف النتائج اواتفاقها  وفقا لمنظور كل باحث..[2].والوصول الى مفهوم معين لا يأتي صدفة وانما يتوصل اليه بعد مناقشات كثيرة وجدال واسع  وتفكير عميق .. ومن المفاهيم الاساسية التي نجدها عند بورديو:مفهوم الحقل ،الهابيتيس ، راس المال الرمزي ، راس المال الثقافي ،  راس المال الاجتماعي ؛ مفهوم الاستراتيجية، التمييز ، العنف الرمزي ، الانعكاس،  اعادة الانتاج  ،الاهلية السياسية ، التجريد السياسي ، التشيؤ السياسي ،...وسأكتفي بالتطرق لبعض المفاهيم الاساسية عند بورديو

مفهوم الحقل:

يطلق بورديو مصطلح المجال على كل حالة صراع بين فاعلين غير متساويين فى القوة على رأس مال مهما كان نوعه...انه "نسق بنائي من القوى الموضوعية...ويتكون الحقل من مجموعة علاقات موضوعية وتاريخية بين أوضاع تقوم على بعض أشكال السلطة أو الرأسمال الرمزي، وهذا ما يجعله فضاءً للصراع والتدافع والهيمنة، إذ إن ما يصنع تاريخ الحقل هو الصراع بين المتحكمين (أو المهيمنين) والطامعين، بين حملة المنصب أو اللقب (سياسيون واقتصاديون وفلاسفة وعلماء ورياضيون...) ومبارزيهم" [3]هو اداة لفهم  انواع الانشطة والممارسات والعلاقات الاجتماعية  ؛ فلكل نوع صفات رئيسية واخرى ثانوية وتبعا للصفات الرئيسية  يقع التصنيف  ؛ كما  ان الترابط والتشابه والتداخل بين الحقول وارد ؛" فالحقل عنده منظومة معينة من العلاقات"[4]  اما اعتماد  هذا المفهوم "هو بمثابة تقنية اجرائية دقيقة واساسية للتفكير بصيغة العلاقات اي التفكير على نحو علاقي وجدلي بدل التفكير بالطريقة البنيوية الجاهزة والضيقة الافق.."[5]فقد شبه بوردو المجتمع بالكون؛ فكل  جماعة لها وضع اجتماعى له علاقة بالأوضاع المجاورة التى تشبه المجرات فى الفضاء، ولذلك يطلق بورديو على المجتمع مصطلح الفضاء الاجتماعى؛ ويحلل بورديو المجالات واوضاع الفاعلين داخلها على اساس مبدأين يتم التفرقة بهما بين الفاعلين؛ المبدأ الاول هو الحجم الكلي من راس المال: والمبدأ الثاني هو تركيبة هذا الحجم من راس المال ويفترض ان اكثر انواع راسالمال تأثيرا في البلدان الصناعية هما رأس المال الاقتصادي وراس المال الثقافي[6] 
وقد وضع بورديو للمجالات قوانين سماها "قوانين المجالات" ؛ وجعل لهذه القوانين خصائص تتمثل في كونها :
  اولا: تتشكل حول توزيع راس المال النوعي أي ان أي راسمال يكون محل صراع في مجال بعينهثانيا: ان المحتكرين لراس المال النوعي في مجال ما يميلون الى استراتيجيات المحافظة على الوضع لما هم فيه من من مصالحثالثا: ال المنتمين لمجال ما تجمعهم مصلحة مشتركة وهى المحافظة على بقاء واستمرار المجال فى حد ذاتهوتتدخل الدولة اتنظيم المجالات المختلفة  (تدخل مالي كالاستثمار او تدخل قانوني..) بعد ان تركز في يدها كل الثروات الاقتصادية والرمزية[7]
ويمكن تقديم مثل عن حقل السلطة  وهوالمثال الذي دأب بورديو على تقديمه في كتاباته النظرية لتوضيح المفهوم؛ فحقل السلطة عند بورديو هو:حقل قوى محددة يقول بورديو : " ان الحقل هو لعب أعقد بكثير من كل الألعاب التي يمكن ان يتخيلها المرء"[8]فهوحقل صراعات من اجل السلطة والسيطرة والهيمنة بين ملكي سلطات متباينة؛ فيه ففضاء للعب يتواجه فيه فاعلون ومؤسسات يشتركون في امتلاك كم معين من الرأسمال الخاص (ثقافي؛ اقتصادي...) والغاية هي تحقيق الرغبة في احتلال اوضاع مسيطرة في حقولهم الخاصة  (الحقل الاقتصادي؛الحقل الاكاديمي؛الحقل الفكري...) وبالتالي اضفاء المشروعية والمصداقية على وضعية السيطرة. واذا كانت هناك حالة توازن بين المسيطر والمسيطر عليه فانه يتم اقتسام السلط اوعمل السيطرة. ويقدم محمدبقوح في احدى مقالاته مثالا عن وضع الحقل ازاء السلطة فيقول :" فالحقل الأدبي مثلا في المغرب متضمن في حقل السلطة ، بمعنى أن كل الكتاب و المثقفين بشكل عام ، هم فئة من شرائح المجتمع المغربي ، التي تنتمي إلى الشق المهيمن ( بفتح الميم ) عليه من طرف الطبقة المسيطرة ." وبذلك يكون كل حقل متضمن داخل حقل أوسع منه هو حقل السلطة . [9]
وقد اولى بورديو اهمية كبيرة للحقل الادبي خاصة وبقية الحقول عامة وكان يسعى من خلال تحليلاته " إبراز البنى الخفية التي تخص مختلف الحقول الاجتماعية، وتحديد الآليات التي تنزع إلى ضمان إعادة إنتاج تلك البنى أو تحويلها" [10]؛ وقد دعا الى ضرورة تحليل البنية الداخلية للحقل الادبي داخل مجال السلطة وابراز تطوره ..فالحقل الادبي مجال لممارسة السلطة وفرض الهيمنة " ولايمكن تفسير عدد من تمثلات الفنانين والكتاب الاعن طريق الاحالة على مجال السلطة الذي بداخله؛ يشغل الحقل الادبي نفسه موقعا خاضعا للسيطرة والهيمنة " [11]بالتالي فان تاريح الحقل الادبي حسب بورديو يصنعه الصراع بين المهيمنين والمهيمَن عليهم.يمكن القول اذن ان بورديو يعتبر المجتمع مجموعة من الحقول فرضها تقسيم العمل كالحقل الفني والحقل الادبي والاقتصادي والسياسي...ولكل حقل استقلالية معينة؛ومن خصائص هذه الحقول التراتبية والصراع من اجل الهيمنة ومن اجل المصالح ؛ وذلك كل حسب الراسمال الذي يملكه.

مفهوم الرأسمال

سادت الفكرة الماركسية التي فسرت الصراع الطبقي على أساس الرأسمال الاقتصادي الاا ان بيير بورديو اعتبر ان هذا التفسير غير تام ؛ فالصراع لا يكون دائما لاسباب اقتصادية ؛ وانما قد يتعدى ذلك الى صراع قد يكون اعمق؛ الا وهو الصراع الثقافي، وهنا نجده يميز بين أنواع من الرأسمال جعل على راسها الراسمال الاقتصادي و الراسمال الثقافي باعتبارهما عنصرين هامين في تحريك المجتمعات المعاصرة  وادوات للتنافس الاجتماعي  .الراسمال الاقتصادي: موارد مالية؛ثروات وممتلكات ويتدخل بقوة في تشكيل الراسمال الثقافي.

الرأسمال الثقافي:وهو عموما المنتوج الثقافي من كتب ودراسات ومقالات ثم الدبلومات والشواهد وكذلك القدرات المعرفية والمهارات... ويقسمه بورديو الى قسمين الاول موروث يرثه الفرد خلال نشاته في المجتمع كاللغة على سبيل المثال والثاني مكتسب  ." ويؤكد بورديو هيمنة الراسمال الثقافي على الانسان مبكرا "[12] فالاختلافات في الراسمال الثقافي تعد مؤشرا للاختلاف بين الطبقات .

الراسمال الاجتماعي: العلاقات الاحتماعية والمعارف والصدقات والقرابات ..وله دور مهم في تشكيل  الراسمال الثقافي .

الراسمال اللغوي :ظهر هذا المصطلح في كتابه "اسئلة السوسيولوجيا "  يقول بورديو معرفا اياه:"يعني الرأسمال اللغوي التحكم في آليات تشكل الأسعار اللغوية، وكذا القدرة على جعل قوانين تشكل الأسعار تعمل لصالح صاحبه  والقدرة على استخلاص فائض القيمة النوعي. إن أي عملية تفاعل، وأي عملية تواصل لغوي، ولو بين شخصين أو بين صديقين أو بين طفل وصديقته، واختصار، إن كل عمليات التواصل اللغوي هي أنواع من الأسواق الصغرى التي تبقى دوما تحت رحمة البنيات الإجمالية." نقلا عن حمداوي[13]

الرأسمال الرمزي: ويشمل الرأسمال الثقافي والاقتصادي  واللغوي  والسياسي..وهو ايضا يتسم بالاهمية فهو" عبارة عن الشرعية التي ينالها الافراد او الاشياء او الموضوعات نتيجة اعتراف الاخرين بهم ؛ وتتاسس هذه الشرعية على الاعتقاد والثقة"[14]  فالثقة التي يحضى بها فاعلون معينون  في السياسة او الدين اوالحكم انما هي سلط يمنحها المجتمع للممارس ويخضع لها  .
وتخضع كل هذه المجالات للتنافس والصراع والسيطرة لمن يملك اغلبها  بل ان الطبقات خاصة الحاكمة والمثقفة  تحافظ على امتيازاتها جيل بعد جيل.

مفهوم التميز:

نجد توضيحا مفصلا لهذا المفهوم في كتاب ( التميز:النقد الاجتماعي للحكم  ) ويركز المفكرالعالم  بيير بورديو في هذا الكتاب على اوجه الصراع الكامن بين الطيقات من اجل التميز  و يتخذ هذا التميز اشكالا متنوعة  تتكئ على الثقافة اوالاقتصاد او اللغة ..." فالاهتمام بالموضة بشكل هستيري دليل على الرغبة في التميز ثقافيا واجتماعيا ورمزيا " [15]وكذلك اهتمام العمال بنوع معين من الفن وطريقة لباسهم ونظام اكلهم وطبيعة الوجبات المفضلة لديهم ؛ليست نفسها مانجده عند طبقة البرجوازية التي تميل مثلا الى الفن التجريدي والتخييلي وتهتم في بوجباتها بالكيف على حساب الكم...وبالتالي فانه يمكن ان نصنف هؤلاء انطلاقا من ميولاتهم واختياراتهم.

مفهوم الهابيتوس:

      هو مفهوم موجود في اعمال ارسطو و نوربيرت الياس وماكس فيبر و ادموند هرسل  لكن ليس بنفس المعنى الذي استعمله بورديو. وقد تعددت ترجمات هذا المصطلح الى العربية وهذه اغلبها: التطبع ، السمت (اي الهيئة او الحال)، السجية ، الخصائص الاجتماعية النفسية ، الخصائص الشخصية، الوسط المعيشي ، الطابع الاجتماعي والثقافي، والسيماء...يبدو ان مفهوم الهابيتوس غامض ومعقد الا انه يحتل مكانة هامة في المشروع  الفكري  لبورديو.ويمكن تعريفه على انه " نسق من الاستعدادات المكتسبة التي تحدد سلوك الفرد ونظرته إلى نفسه وإلى العالم الذي يكتنفه، وهو أشبه ما يكون بطبع الفرد أو بالعقلية التي تسود في الجماعة لتشكل منطق رؤيتها للكون والعالم "[16]  فالاشخاص  بتواجدهم في بيئات اجتماعية مختلفة يكتسبون استعدادات مختلفة من خلال مشاركاتهم وذلك بتكييف  اعمالهم  مع ضرورات الحياة اليومية فكل واحد يطور عادات يواجه بها مشاكله في وسطه.فالهابيتوس يشير الى الميول والتصورات والادراكات والاستعدادات  والملكات التي تجعل من الانسان فاعلا اجتماعيا قادرا على اعادة البناء وهي توظف عادة بطريقة لاشعورية .ونورد هنا مثالا من حقل الادب لتقريب الفهم ؛ فالاديب الذي يصنع عملا  معينا  لا ياتي عمله من فراغ ؛ لان هذا الاديب عاش في مجتمع ونشا فيه وتطبع  بمجموعة من الادراكات والتصورات الموجهة لفكره؛ حتى اعاد انتاج هذا العمل ..."ومن هنا ، ليس الهابيتوس مجرد تمثل أو إدماج عاد وبسيط، ينبني على ممارسات تقليدية أساسها التكرار والتنميط والتطبيق الآلي، بل هو إدماج إبداعي يتجاوز المماثلة إلى الاستيعاب ومواجهة وضعيات جديدة ..."[17] فالفرد يتطبع بسمات المجتمع ويعيد انتاج ماكتسبه بطريقة ابداعية  وليس بطريقة الية تجتر السابق؛ انه فن مواجهة وضعيات جديدة باستراتيجيات وخطط يتم تكوينها انطلاقا من مواردهاما بطريقة واعية او غير واعية.هذا وتسهم الطفولة والمراهقة وسن الرشد في بناء الهابيتوس  وبالتالي فان الهابيتوس الخاص بكل فرد  يسهم في خلق هابيتوس  الطبقة  فيمكن بذلك مثلا الحديث عن الهابيتوس  العمالي (لباس وظيفي واهتمامهم بالفن الملتزم الواقعي )  ؛ والهابيتوس البورجوازي الذي يقوم على :" التجريد وحب الفن الجميل والبحث عن الجديد من الموضة.....ومن ثم، فلكل طبقة اجتماعية هابيتوس خاص، ورأسمال معين، وحقل معين، مثل: طبقة العمال، وطبقة المثقفين، وطبقة الفقراء، وطبقة الأغنياء...."[18]" واستعمال مفهوم الهابتوس هو دعوة إلى التقريب بين الحتمية الاجتماعية من جهة و بين الفردانية من جهة أخرى،و مقولة الأبتوس، تضمنت أيضا عنصرا جديدا من أشكال إعادة الإنتاج الاجتماعي"[19]

مفهوم العنف الرمزي:

وهو بخلاف العنف المادي اليدوي الملموس انه عنف بواسطة السب والشتم واللغة والدين والاعلام والافكار والمدرسة..الخ وللعنف الرمزي علاقة بالراسمال الرمزي فالحامل لهذا الاخير يوظفه كمصدر سلطة ضد الاقل سلطة منه. ولعل التاثير العميق للسلطة الرمزية ياتي من خلال كونها تستهدف الجانب النفسي والذهني في الانسان خاصة وانها سلطة غير مرئية وكل ذلك من اجل تحقيق هدف معين والوصول الى مبتغى  مطلوب بطريقة غير مباشرة ومخطط لها مسبقا " وتمارس سلطة الرمز كل هذه الأعمال بطريقة منظمة و بنائية ، و تحت غطاء الخفاء و الاختفاء ، وراء حجاب أقنعة المألوف العادي ، و أنظمة التقليد و القانون و الخطابات الشائعة بين الناس ."  وتمكن هذه السلطة الرمزية من تحقيق مالايمكن تحقيقه بالسلطة المادية  خاصة وان العنف الرمزي يمارس على فاعل ما بموافقته   بل انه يساهم في تكريسه فليس هناك أي رفض له او اعتراف بانه عنف.وفي هذا السياق يوجه انتقاده للتلفزيون؛ الذي هو اداة في يد الطبقة الحاكمة والسلطة المهيمنة من اجل التوجيه وفق ما تريد؛ والتلاعب بالعقول ؛ونشر الايديولوجيات الخاصة التي تساعد على فعل الهيمنة؛ كما انها تنشر ثقافة سطحية ؛وتبخس عقول المشاهدين وتعمل على تمييع المشهد الثقافي والسياسي ؛وتسهم في انحطاط اخلاق المجتمع؛ولم يستثن من انتقاده الصحافة التي تعتبر من وسائل الاعلام التي تتواطؤ مع الطبقة الحاكمة لممارس العنف الرمزي.كما ان المدرسة في نظر بورديو تمارس عنفا رمزيا لكونها تعيد انتاج الثقافة السائدة وهي ثقافة الطبقة الطبقة المسيطرة  وتعمل على نشرها واضفاء الشرعية عليها خاصة وان المجتمع الواحد يتسم بغنى الثقافات ومع ذلك فالمدرسة تتعامل بانتقائية مع هذه الثقافات " أن الأهداف الضمنية للمدرسة تخدم التكامل بينها و بين الطبقة المسيطرة مما يجعل أبناء هذه الأخيرة أطفالا ناجحين دراسيا، أما أبناء الطبقة الدنيا فيكون مصيرهم هو الفشل "[20] ويساعد ابناء الطبقة المهيمنة في النجاح راسمالهم الثقافي .

مفهوم إعادة الانتاج:

 يبدو ان الحديث عن العنف الرمزي  مقرون بالحديث عما يسميه بورديو ب "اعادة الانتاج " ؛خاصة حينما تناول النظام التربوي الفرنسي رفقة جون كلود باسرون في كتابهما " اعادة الانتاج"وقد اشرنا الى كثير من الافكار حول المدرسة خلال الحديث عن مفهوم العنف الرمزي  وملخص الفكرة ان حظوظ الاطفال الذين يلجون المدرسة  غير متكافئة لغويا (الراسمال اللساني) يقول بورديو في كتابه " اعادة الانتاج" : "التوزيع اللامتكافئ للرأسمال اللساني ذو المردودية النسبية، بين مختلف الطبقات الاجتماعية يشكل إحدى التوسطات الخفية؛والتي تتأسس خلالها العلاقة بين الأصل الاجتماعي و النجاح المدرسي ".[21]  وبالتالي فابناء الطبقات الشعبية  مهددون منذ البداية بالفشل الدراسي عكس ابناء الطبقة الحاكمة ؛ لصعوبة عمليات التواصل لديهم  بل وحتى الثقافة التي تفرضها المدرسة فانها ليست ثقافة فئات المجتمع وانما هي ثقافة الطبقة المهيمنة ؛مما يعني العمل على الحفاظ على ثقافة هذه الطبقة مما يجعل ابناء الطبقة الدنيا تعيش في غربة هذه الثقافة " ولكي يتوافق (الطفل) دراسيا معها ؛عليه ان يتخلص من رواسب ثقافته ؛ويتعلم طرائق جديدة في التفكيرواللغة والسلوك ؛ اي ان يمر حسب تعبير بيرنو اولا بعملية الانحلال من الثقافة ثم ثانيا بعملية المثاقفة" [22]

مفهوم الانعكاسية:

 تعرفه الموسوعة الحرة ويكيبيديا بكونه:" مقياس يستعمل في مجال   هو مصطلح فيزيائيالقياس الضوئي وانتقال الحرارة لمعرفة نسبة الاشعة المرتدة من جملة الاشعة الساقطة"ويقصد به بورديو ضرورة تحليل عالِم الاجتماع عملَه وخطابه ونشاطه تحليلا انعكاسيًا (ذاتيًا). بعبارة أخرى عليه أن يستعمل اكتشافات علمه ليغربل دوره وليكشف العوامل التي الناتجة عن تاريخه الشخصي وتطبعه والتي قد تؤثر على ممارسته العلمية وتشوش رؤيته للمجتمع دون أن يعي. ولذلك أصبح التحليل الانعكاسي في نظر بورديو شرطًا لكل عمل نزيه وموضوعي في مجال العلوم الاجتماعية1000000 لذا يعتبر التحليل الانعكاسي ذا اهمية قصوى لكل فعل علمي حقيقي . وقد تحدث بورديو عن هذا المفهوم في كتابه الانسان  الاكاديمي الصادر عام 1984.

تلخيص لبعض افكار بيير بورديو:

-. تعبر كثيرا من مواقف بورديو عن الرغبة في تجاوز المناهج التقليدية  واستخدام مناهج علمية حديثة  لان غاية عالم الاجتماع هي المعرفة العلمية  وليت المعرفة البسيطة  التي تعبر عن اطماع واهداف ورغبات وتخفي مصالح ذاتية ؛ ان غاية علماء الاجتماع "كشف ما هو موجود في الواقع وقول ماهو جديد"[23]  وهو بذلك ينتقد  تيار الحتمية  الذي يفهم الوقائع الاجتماعية فهما موضوعيا تقليديا  ؛وتيار الحرية  المرتكز على ارادة الانسان ووعيه ويدعو الى تجاوزهما من خلال الدمج بين النظرية والواقع.

-. طرح بوردو يندرج اساسا في اتجاه ما بعد البنيوية  وان كان قد  اعتمد اسس التحليل  البنيوي الا انه عمل  على تجاوزه فقد اعتمد اسس التحليل البنيوي وفي الوقت نفسه قام بانتقادها.

-. "ان بورديو يرى ان فهم الواقع على اساس فهم   العلاقات هو الطريقة المثلى  في العلم لانها تتوافق مع حقيقة العالم الاجتماعي ذلك العالم الذي يتشكل من علاقات...في حين ان النمط البنيوي يفترض مفاهيم مثل الثبات والتنظيم الذاتي والانسجام  الداخلي.."

-. اظهر اسلوبا جديدا  في الفهم وطرائق جديدة في التفكير " عاملا على نقل علم الاجتماع من مستواه النظري الى مستوى التحليل الملموس "[24]

-. فكر بوردو لم ينبع من فراغ وانما  جاء في اطار اجتماعي وسياسي  وفكري سائد كهيمنة البنيوية والماركسية والفينومينولوجيا..

-. يربط ما هو ذاتي بما هو موضوعي في اطار الفهم السوسيولوجي " اذ لا وجود لذاتية مستقلة في فهم الواقع الاجتماعي كما هو الامر لذى ماكس فيبر أو تالكوت بارسونز ، ولا لموضوعية قائمة بذاتها بحسب مابين ماركس"[25]  ان بيير بوردو بقدر اقترابه من ماكس فيبر و ماركس فهو يبتعد عنهما لذلك لايمكن اعتبار هذه المقاربة حسب  الباحث علي سالم مقاربة " توفيقية بقدر ماهي جديدة ؛ تدعو الى اعادة النظر في أمور كثيرة ؛ كما تدعو الى مناقشات وأبحاث وارء جديدة" [26]

-. منح للوعي اهمية بالغة على حساب الحقيقة الموضوعية   فللوعي في نظره دور في احداث قوانين جديدة والغاء اخرى يعتقد انها ثابتة ، وبالتالي دور علم الاجتماع هو كشف الظروف الاجتماعية والتاريخية للقوانين .

-.  يعتبر بورديو ان  " الوقائع لا تتكلم عن نفسها" اي لا وجود لوقائع اجتماعية قائمة بذاتها بل انها على علاقة جدلية بالوعي الذاتي " [27]1

خاتمة:

     وعلى العموم هناك كثيرمن المفاهيم المهمة التي تحدث عنها بيير بورديو وقد اكتفيت في هذا البحث بالحديث عن اهمها نظرا للثورة التي احدثتها هذه البنية المفاهيمية في الدراسات السوسيولوجية ؛ ولم يكن ترتيبي لهذه المصطلحات اعتباطيا بقدر ما رايت – من خلال اطلاعي الاولي والمحدود على بورديو- ان هذه المفاهيم ينبغي ان تكون بهذا الترتيب بدا بالاكثر اتساعا وشمولية وانتقالا الى المفهوم الموالي من خلال العلاقة الخفية بين كل مصطلح واخر ؛ وقد تبين ان هذه المفاهيم تكاد تتسع ليشمل الوحد منها كل او اغلب المصطلحات مثل مفهو العنف الرمزي على سبيل المثال والذي يستدعي الحديث عن الراسمال واعادة الانتاج والهابيتوس...كما ان هذه المصطلحات قد تضيق الى حد الحديث عن المفهوم عينه .

قد يهمك أيضا قراءة 

بيير بورديو Pierre Bourdieu مفكك بنى السلطة وعالم الاجتماع الرائد

تعليقات