صياغة السؤال البحثي بين المنهج الكمي والمنهج الكيفي.. المفردات والأسلوب
مقدمة
تعد صياغة لغة البحث من أهم العوامل التي تساعد على تطوير أسئلة البحث بالطريقة المناسبة سواء كان الباحث يستخدم المنهج الكمي أو المنهج الكيفي، لا سيما وأن كل منهجهما لهما المفردات والأسلوب الخاص الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند صياغة الأسئلة البحثية وكذلك كيفية تفسير النتائج.
صياغة السؤال البحثي بين المنهج الكمي والمنهج الكيفي.. المفردات والأسلوب. |
في هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل مقارنة بين صياغة الأسئلة البحثية في كل من المنهج الكمي والمنهج الكيفي، ويوضح الفروقات في المفردات والأسلوب بينهما.
تعريف المنهج الكمي والمنهج الكيفي
المنهج الكمي
المنهج الكمي هو منهج يعتمد على جمع وتحليل البيانات العددية باستخدام أدوات إحصائية محددة. يُستخدم هذا المنهج غالباً في العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية التي تتطلب قياس العلاقات بين المتغيرات المختلفة بطريقة دقيقة وموضوعية. يتناول المنهج الكمي عادة أسئلة مثل "كم؟" و "ما هو؟"، حيث تكون الأسئلة محددة وتستند إلى فرضيات قابلة للاختبار والتحليل.
المنهج الكيفي
المنهج الكيفي، من جهة أخرى، يُركّز على فهم الظواهر من خلال استكشاف المعاني والتفاعلات والتجارب البشرية. لا يعتمد هذا المنهج على القياس العددي بقدر ما يعتمد على الوصف والتحليل العميق للسلوكيات والاتجاهات والظواهر الاجتماعية. يتمثل الهدف الرئيسي من هذا المنهج في تقديم فهم شامل ودقيق للموضوع من خلال جمع البيانات النوعية مثل المقابلات والملاحظات والمشاركة الميدانية.
صياغة الأسئلة البحثية في المنهج الكمي
تُعد صياغة الأسئلة البحثية في المنهج الكمي عملية حاسمة تتطلب دقة ووضوحاً في التعبير عن المتغيرات والعلاقات التي يسعى الباحث لدراستها. فيما يلي بعض من الأمثلة على أنواع الأسئلة البحثية في هذا المنهج:
1. الأسئلة الوصفية (Descriptive Questions)
تُستخدم الأسئلة الوصفية لتحليل ووصف خصائص أو ظواهر معينة، غالباً ما تركز على متغير واحد أو عدة متغيرات في مجموعة محددة. على سبيل المثال، يمكن للباحث أن يسأل: "ما هي العوامل الرئيسية التي تؤثر في اختيار مهنة الطلاب الآسيويين في الجامعات الأمريكية؟" هذا السؤال يهدف إلى وصف العوامل المؤثرة دون مقارنة أو تحليل العلاقات بين المتغيرات.
2. الأسئلة المقارنة (Comparative Questions)
تركز الأسئلة المقارنة على دراسة الفروقات بين مجموعات مختلفة من المتغيرات. على سبيل المثال، يمكن للباحث أن يسأل: "ما هو الفرق في استخدام تطبيق سناب شات بين الطلاب الذكور والإناث في الجامعات الكندية؟" يهدف هذا السؤال إلى تحليل الفروقات بين مجموعتين مختلفتين من المتغيرات وتحديد مدى تأثير هذه الفروقات.
3. الأسئلة القائمة على العلاقة (Relationship-based Questions)
تهدف الأسئلة القائمة على العلاقة إلى تحليل الروابط والعلاقات بين متغيرين أو أكثر في سياق معين. على سبيل المثال، يمكن للباحث أن يسأل: "ما هي العلاقة بين العمر ونمط الحياة بين النساء؟" هنا يركز الباحث على فهم كيفية تأثير أحد المتغيرات على الآخر أو كيف يتفاعل المتغيران معاً.
صياغة الأسئلة البحثية في المنهج الكيفي
عند استخدام المنهج الكيفي، يكون الهدف الأساسي هو استكشاف وفهم الظواهر الاجتماعية والنفسية من خلال تحليل تجارب الأفراد وتفاعلاتهم. تعتمد صياغة الأسئلة في هذا المنهج على فتح باب الحوار واستكشاف العمق بدلاً من تقديم إجابات جاهزة. فيما يلي أمثلة على أنواع الأسئلة في المنهج الكيفي:
1. الأسئلة الاستكشافية (Exploratory Questions)
تهدف الأسئلة الاستكشافية إلى فهم موضوع معين دون الحاجة إلى التنبؤ بنتائج معينة. تتيح هذه الأسئلة للباحث استكشاف الموضوع من جميع جوانبه وتجميع بيانات غير محددة مسبقاً. على سبيل المثال، يمكن للباحث أن يسأل: "ما هو تأثير تعاطي المخدرات على مستقبل الطلاب الوظيفي في العصر الحالي؟" هذا النوع من الأسئلة يساعد الباحث على جمع معلومات عامة وشاملة حول الموضوع دون التركيز على تفاصيل معينة.
2. الأسئلة التفسيرية (Interpretive Questions)
تركز الأسئلة التفسيرية على فهم كيفية تفاعل الأفراد مع الظاهرة المدروسة وكيف يؤثر هذا التفاعل على مواقفهم وسلوكياتهم. على سبيل المثال، يمكن للباحث أن يسأل: "كيف يتفاعل طلاب الجامعات مع تطبيقات الهواتف الذكية؟" هذا النوع من الأسئلة يساعد في تحليل وتفسير العلاقات بين الظواهر الاجتماعية المختلفة وكيفية تأثيرها على الأفراد.
الفروقات بين المنهجين في صياغة الأسئلة البحثية
اللغة والمفردات
من أبرز الفروقات بين المنهج الكمي والمنهج الكيفي في صياغة الأسئلة البحثية هو استخدام اللغة والمفردات. ففي المنهج الكمي، تُستخدم مفردات واضحة ومحددة، مثل: "كم؟"، "ما هو؟"، "ماذا؟"، حيث تكون الأسئلة مباشرة وتستهدف قياس وتحليل متغيرات محددة. تعتمد الأسئلة في هذا المنهج على توضيح العلاقات السببية والنتائج القابلة للقياس والتحليل الإحصائي.
أما في المنهج الكيفي، فتكون اللغة المستخدمة أكثر مرونة وعمقاً، وتُستخدم مفردات مثل: "كيف؟"، "لماذا؟"، "ما هو تأثير؟". تركز الأسئلة هنا على استكشاف المعاني والعمليات والتجارب البشرية، وتسمح للباحث بالتحليل التفسيري بعيداً عن الأرقام والإحصاءات.
الأسلوب والتطبيق
يتطلب المنهج الكمي أسلوباً منظمًا ودقيقًا في صياغة الأسئلة، حيث يجب أن تكون قابلة للقياس والتحليل الإحصائي. تُستخدم هنا أدوات مثل الاستبيانات والاختبارات التي توفر بيانات عددية يمكن تحليلها لإيجاد علاقات أو تأثيرات معينة.
بالمقابل، يتيح المنهج الكيفي للباحث حرية أكبر في صياغة الأسئلة، مما يسمح بالتحليل العميق والاستكشاف التفسيري. تُستخدم أدوات مثل المقابلات المفتوحة والملاحظات، التي تسمح بجمع بيانات نوعية تعكس تجارب وآراء الأفراد بشكل أكثر تفصيلاً.
تفسير النتائج
تُفسر النتائج في المنهج الكمي بناءً على الإحصاءات والبيانات العددية، مما يسمح للباحث بالتوصل إلى استنتاجات دقيقة وموضوعية. تُستخدم هنا معادلات رياضية ونماذج إحصائية لتقديم تفسيرات تعتمد على الأرقام.
أما في المنهج الكيفي، فتُفسر النتائج بناءً على التحليل التفسيري والنوعي، حيث يعتمد الباحث على فهم المعاني والتفاعلات بين الأفراد في سياق معين. يتطلب هذا المنهج قراءة متعمقة وتحليلًا شاملاً للبيانات النوعية.
كيف يختار الباحث المنهج المناسب؟
اختيار المنهج المناسب يعتمد على طبيعة البحث والأسئلة التي يسعى الباحث للإجابة عليها. إذا كان الهدف من البحث هو قياس العلاقات بين المتغيرات وتقديم نتائج دقيقة وقابلة للتعميم، فإن المنهج الكمي هو الأنسب. أما إذا كان الهدف هو فهم الظواهر الاجتماعية والنفسية من خلال استكشاف المعاني والتجارب البشرية، فإن المنهج الكيفي سيكون أكثر ملاءمة.
أهمية التوازن بين المنهجين
في بعض الحالات، يمكن أن يكون الجمع بين المنهجين الكمي والكيفي في بحث واحد مفيداً للحصول على صورة شاملة ومعمقة حول الموضوع المدروس. يُعرف هذا الأسلوب بالمنهج المدمج أو المنهج المختلط (Mixed Methods)، حيث يجمع بين دقة المنهج الكمي وعمق المنهج الكيفي لتحقيق نتائج أكثر شمولية وتفصيلاً.
خاتمة
إن فهم الفرق بين صياغة الأسئلة البحثية في المنهج الكمي والمنهج الكيفي يُعدّ خطوة أساسية لأي باحث يسعى إلى إعداد بحث علمي دقيق وموثوق. يتطلب ذلك معرفة دقيقة بالمفردات والأسلوب المناسب لكل منهج، وكذلك القدرة على تفسير النتائج بناءً على طبيعة الأسئلة المطروحة.
من خلال هذه المقالة، تناولنا الاختلافات الجوهرية بين المنهجين، بدءاً من صياغة الأسئلة وصولاً إلى تفسير النتائج. ومن المهم أن يتذكر الباحث أن اختيار المنهج المناسب يعتمد على طبيعة البحث والأهداف المرجوة، وأن التوازن بين الدقة والتحليل العميق يمكن أن يعزز من قيمة البحث العلمي ونتائجه.