📁 آخر الأخبار

سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي _ محمد نجيب بوطالب

سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي محمد نجيب بوطالب.

على الرغم مما نُقل عن حضور القبيلة كمتغير اجتماعي في التاريخ الاجتماعي والسياسي لأقطار المغرب العربي فإن المرحلة المعاصرة لم تشهد ظهور دراسات تلتفت تلقيه تخص بدراسة التكوينات الاجتماعية التقليدية في هذه المجتمعات واستدامتها الراهنة. وعلى الرغم وفرة الإرث الدراسي للمرحلة الاستعمارية وما أعقبها من مقاربات أنثروبولوجية وإثنولوجية فإن الحاجة تدعو إلى ظهور نقد علمي رصين لذلك الإرث، نقد يضع في اهتمامه أيضًا مقاربة الواقع الاجتماعي الراهن.
يسعى هذا الكتاب لتتبع مفهوم القبيلة واستعمالاته، ولرصد أهم الآليات التي تحكمت على مدى التاريخ الحديث والمعاصر في البناء الاجتماعي القبلي في الوطن العربي، والمجتمع في خضم التحولات الاجتماعية في منطقة تميزت بعمق وثراء القراءة الخلدونية للتاريخ الاجتماعي.
إن طرافة هذا الكتاب وجرأته تكمنان في سعيه لجعل القبيلة موضوعًا سوسيولوجيًا بعدما ساد الاعتقاد بأنه مجرد موضوع تاريخي. إن في التحولات والأحداث المعاصرة التي تطبع أغلب المجتمعات في الوطن العربي وفي العالم ما يؤكد مشروعية هذا التناول ويبينه إلى ضرورة إزاحة بعض الأغشية الإيديولوجية عن طريق تحليل تلك المجتمعات.

سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي _ محمد نجيب بوطالب
سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي محمد نجيب بوطالب.

تمهيد

يهدف هذا البحث إلى دراسة مظاهر تواصل بعض محددات البنية الاجتماعية القبلية في العالم المعاصر، وهي بنية ما انفكت في الفترة الأخيرة تحرك واجهات الأحداث محلياً وإقليمياً ودولياً.
لقد ظلت أغلب الدراسات التي قاربت المسألة القبلية في المغرب العربي تتحرّك في نسق التاريخ أو الانثروبولوجيا، أما علم الاجتماع فإن مساهمته كانت جزئية أو متحفظة.
ومن الافتراضات التي يمكن أن تفسر هذا الواقع أن التحولات السريعة والكثيفة التي أصابت هذه المجتمعات، دفعت - على الأغلب - بعلماء اجتماع المنطقة إلى المصادقة على أطروحات غيرهم، كما دفعت إلى تهيب الإجابة بهم عن السؤال التالي : ما مدى صحة القول بتفكك البنيات التقليدية؟.
كما أن التأثيرات الإيديولوجية لنزعة التحديث التي غلبت على الخطاب المعرفي الاجتماعي السائد في الفترة المعاصرة ساهمت في هذا الهجر وذلك التحاشي. ويهدف اعتماد الدراسة على القطيعة والتواصل كثنائية تحليلية إلى الانقطاعات البادية من أن تحجب عنا التواصلات الممكنة، وهو فعل منع تاريخي أساسي بالنسبة إلى مجتمع صور بأنه بلا ،تاريخ كما تهدف هذه المقاربة إلى إجلاء عمليات التواصل المتخفية وراء ما يمكن أن يحجبها من انقطاعات . إن المجتمع يحمل في داخل أنساقه أسباب انتظامه وأسباب عدم انتظامه بما يعلنه عادة من تبدلات ومن جهة أخرى فإن دراسة صيرورة تبدل البناء الاجتماعي القبلي في الشكل وفي المضمون في المغرب العربي ليست مجرد دراسة جهوية، بل إنها تنطلق من رؤية شمولية اعتمدت عمليات المقارنة والكشف عن التفاعلات وإماطة اللثام عن الجدليات في علاقة وظيفية بين الجزء والكل، وبين الفرع والأصل. وفي معالجة موضوع التحولات التي عرفتها المجتمعات المغاربية في إطار مقاربة سوسيولوجية لمفهوم الاندماج الاجتماعي، فقد تم طرح الأسئلة الرئيسية التالية :
- هل استطاعت الدولة الوطنية تفكيك مرتكزات المجتمع القبلي من خلال مشروعها التغييري؟ وكيف فعلت ذلك؟.
ـ ما هي الآليات التي اعتمدت لتحقيق الاندماج؟.
ما علاقة الدولة بالمجتمع المحلي؟ وما هي الصور المتبادلة بينهما عبر عقود من التفاعل؟.
لقد أفاضت الدراسة في التعمق في مظاهر تواصل المعطى القبلي والظاهرة القبلية في الممارسات اليومية، على أن المتابعة لم تكن معزولة عما يجري في بعض مواقع العالم من تفاعلات شبيهة. لقد بينت الدراسات أن التابوات (Taboos) (الأرض والسياسة والقرابة) لا تنفك حتى الآن، وفي فترات متقطعة، تستنهض المعطى القبلي، ولذلك فكثيراً ما تطبع علاقات الفاعلين واستراتيجياتهم اليومية بطابع يستمد جذوره من الإرث القبلي للمجموعات المحلية على الرغم مما يلاحظه الباحث من عمليات تخفي تلك المحركات والنوازع في أثواب قد تبدو جديدة.
إن التضامن الاجتماعي في منطقة الدراسة لا يزال يوظف البنية القرابية والموروث القبلي، وقد بينت المتابعة أن البنية القبلية عرفت عملية تفكيك واسعة لكنها استمرت رمزياً وثقافياً. فهي لا تفتأ تستعيد إنتاج بعض ملامحها في مناسبات أو بشكل دوري، وبخاصة حينما تتحرك المصالح الفردية والجماعية فضلاً عن إمكانية تهيكلها في الخارج.
إن الهدف الأساسي الذي يكمن وراء هذا البحث يتمثل في العمل على إجلاء إشكالية استمرار الظاهرة العروشية في المجتمعات المغاربية المعاصرة، ويساعد هذا الطرح في إطار ابستيمولوجي يخص العلوم الاجتماعية، فبمقابل هاجس عولمة المعرفة تطرح قضية توطين المعرفة وهذه ليست هنا مجرد قضية انتماء وإنما هي أكثر من ذلك لأنها بمرورها بالسؤال المنهجي، ذات علاقة بمشكلة الإبداع السوسيولوجي. لقد بينت مقاربة القبيلة المغاربية هنا، نظرياً وتطبيقياً، أن عولمة المفاهيم السوسيولوجية زادت من غموض صورة الواقع الاجتماعي وتشويهها، إن ذلك التمشي الذي ران على الساحة المغاربية العلمية عقوداً طويلة بما شمله من إسقاطات وتعميمات واختزالات بدت مغرية للغالبية ولا تزال، هو الذي عمل على إلغاء الآخر غير المهيمن، وقد صُور وبدا منفعلاً أكثر مما بدا فاعلاً، إذ تم تجاهل المساهمات المتنوعة والخلاقة للمجتمعات المستهدفة بالدرس. وبينت هذه الأطروحة أن الأزمة كثيراً ما ترتبط بالمفاهيم وبالخطاب أكثر مما ترتبط بالمجتمع ذاته.
تمثل الظاهرة القبلية في المنطقة العربية إحدى الظواهر التي هجرها البحث الاجتماعي في المرحلة الراهنة، ولعل ضغوطات موضوعات التنمية والبناء الوطني والقومي ونقل العلوم الاجتماعية تمثل بعضاً من مبررات هذا الهجر. تمرّ عقود ولا تظهر الأبحاث المتعلقة بالبنية القبلية إلا لماماً، هنا أو هناك، لكن أليست بعض مشكلات التنمية نابعة من استمرارية تحكم بعض البنى الاجتماعية التقليدية في بعض المجتمعات المعاصرة ومنها الظاهرة القبلية؟ ومن جهة أخرى أليس توطين المعرفة أو نقلها يعني توطين الموضوعات بدراسة المشكلات الجوهرية والتحرر من أسر موضوعات الآخر؟.
على كل حال فقد كانت القبائل والزوايا والمجموعات الأهلية تمثل مجال دراسات كثيرة في المرحلة الاستعمارية، مع اختلاف في أسباب التناول باختلاف المراحل والسياقات فهل يمكن التساؤل - من هنا ـ عن أسباب ضعف الدراسات حول البنية القبلية في أغلب الأقطار المغربية، رغم أنها وبدون استثناء عرفت الظاهرة وتأثر تاريخها بها، وهل يمكن القول من جهة أخرى إن النفور من الاستعمار هو الذي أدى إلى النفور من موضوعات السوسيولوجيا والاثنولوجيا الكولونياليتين؟ هذا الانفلات لم يمنع عودة المنسي من الذاكرة من خلال استعادة المجتمع في عدة أقطار عربية لإنتاج العلاقات والمشاعر القبلية .
غير أن بعض الدارسين لا يحبذ الحديث عن عودة، لأنه يشك بحقيقة الغياب قبل الحديث عن العودة، باعتبار أن البنى القبلية بمعناها الواسع لا يصح الحكم عليها بالقطيعة والانحلال، إلا باعتبار أن ذلك الحكم هو مجرد افتراض أو نتيجة غير صادقة لدراسة الواقع.

تحميل كتاب سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي محمد نجيب بوطالب.pdf

تعليقات