كتاب الإعلام والمجتمع - طه عبد العاطي نجم.pdf
المقدمة
كان الاتصال ومازال عنصراً هاماً في الحياة . كما برزت أهميته وفاعليته الحديثة مع زيادة التقدم التكنولوجي الذي جعل من العالم أشبه بقرية صغيرة. ولقد نتج عن عمليات التصنيع والحضرية والتحديث ظروفاً مجتمعة أدت إلى تطوير وسائل الاتصال الجماهيري. وقد أكد هاردت Hanno Hardt على أن وظيفة الإعلام الأساسية تكمن في ربط المجتمع والعمل على تماسكه، والمساعدة على تبادل الآراء والأفكار بين الطبقة الحاكمة وعامة الشعب، وأكد أيضاً أن الإعلام هو الأداة الوحيدة القادرة على إحداث التغيير المناسب. وعلاوة على ذلك يعتبر الإعلام همزة الوصل بين المجتمع المحلى والعالم الخارجي، ويشكل دوراً هاماً في تغيير السلوك والقيم. وكلما كان الإعلام مقنعاً وتتسم موضوعاته بالموضوعية، كان له الأثر الكبير في توجيه الأفراد للتخلى عن السلبيات.
الإعلام والمجتمع - طه عبد العاطي نجم. |
ونتيجة للعلاقة الوثيقة التي تربط الاتصال الجماهيري بالمجتمع، تأتى موضوعات هذا الكتاب لتؤكد هذه العلاقة وتنميها. وتنتمى إلى مجال «سوسيولوجيا الإعلام» Sociology of Mass Communication أو «علم اجتماع الاتصال الجماهيري»، حيث يهتم بالتحليل الاجتماعي لوظائف وسائل الاتصال، إذ توجد مبادئ فلسفية ومعيارية عامة تؤكد على العلاقة التي تربط الإعلام بالمجتمع، ويتضح ذلك على المستوى الرسمى وغير الرسمي. فتوجد روابط بين المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الاجتماعية الأخرى، حيث تتداخل الوظائف وتتشابك المهام بينهما. وعلى سبيل المثال يتأثر المضمون الذي تقدمه الوسيلة بالظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة. وتتحدد أيضاً حرية الإعلام من خلال التشريعات والقوانين، وكذلك توجد علاقات غير رسمية بين الإعلام والمجتمع تتمثل في التفاعل المستمر بينهما.
فصول الكتاب
وتنقسم موضوعات هذا الكتاب إلى جزئين أساسين يهتم الأول بالإطار النظرى الموجه لقضايا «سوسيولوجيا الإعلام حيث يُركز على ماهية الاتصال الجماهيرى ووظائفه، ثم ينتقل إلى التعرف على إسهام النظريات السوسيولوجية.ا لمعاصرة في هذا المجال، وننتقل في الفصل الثالث إلى مناقشة مناهج البحث في دراسة الاتصال الجماهيرى من خلال التركيز على المناهج الكمية والكيفية. ويركز الجزء الثانى من هذا الكتاب على إبراز العلاقة بين الاتصال الجماهيري والمجتمع العربي المعاصر. ويتمثل ذلك في إبراز العلاقة بين الإعلام وتشكيل الوعى الاجتماعي هذا من جانب والإعلام والهوية الثقافية من جانب آخر. كما نتناول علاقة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات بعالمية المجتمع، وأخيراً نركز على دور الإنترنت في حماية حقوق الإنسان.
ويعالج الفصل الأول ماهية الاتصال الجماهيري ووظائفه، حيث نتناول القضايا الأساسية التي تفسر عملية الاتصال باعتبارها تتميز بخصائص بيولوجية وسيكولوجية واجتماعية وتمر بمراحل أساسية يشترك فيها المرسل والمستقبل والرسالة والأداة. ونوضح هذه العملية في ضوء إسهامات النموذج الرياضي في المعلومات. ونتناول أيضاً خصائص الاتصال الجماهيري، حيث توجد مجموعة من الخصائص التي تميزه عن سائر أنواع الاتصال الأخرى، كما نتعرض للخصائص التي تميز وسائل الإعلام عن بعضها. ونتناول في هذا الفصل أيضاً تأثير وسائل الإعلام، وهو من الموضوعات التي أصبحت مثار اهتمام العديد من الباحثين، حيث اهتم «هو فلاند» بدراسة الإقناع في وسائل الإعلام، وكذلك اهتم علماء النفس الاجتماعي بدراسة العوامل المؤثرة في سلوك الفرد. وأخيراً نتعرض لوظائف الاتصال الجماهيرى ودوره في عملية التغير الاجتماعي.
أما الفصل الثاني فيركز على إسهام النظريات السوسيولوجية المعاصرة في دراسة الاتصال الجماهيري. نحاول فيه التعرف على علاقة الإعلام بالنظريات السوسيولوجية، حيث نتعرض لفكر تيارين أساسين في علم الاجتماع هما الاتجاه المحافظ وتمثله البنائية الوظيفية وتعبر عنه نظرية التفاعلية الرمزية والتركيب الاجتماعي للواقع، وأخيراً نظرية تحليل الثقافة. أما الاتجاه النقدي فيمثله مدرسة فرانكفورت والماركسية المحدثة ونظرية مارشال ماكلوهان. ووفقاً لهذين الاتجاهين نجد أن البنائية الوظيفية تنظر إلى الإعلام باعتباره نسقاً من الأجزاء المرتبطة، وتكمن الوظيفية الأساسية له في ربط أجزاء المجتمع وضمان وجود التكامل الداخلي بين أعضائه، فضلاً عن مسؤولية عملية ضبط السلوك وتوجيه الآراء. أما النظريات النقدية فتركز على مجموعة من القيم، وتسعى إلى تغيير الأوضاع الاجتماعية،و دراسة الوحدات الكبرى، من خلال تناول النظام، الاجتماعي ككل، واستخدام الصفوات للإعلام، وكشف نتائج استخدامهم له.
أما القسم الثاني من الكتاب فيركز على إبراز العلاقة التي تربط الإعلام بالمجتمع من خلال ثلاث قضايا أساسية هى تشكيل الوعى الاجتماعي وحقوق الإنسان والهوية الثقافية العربية وأخيراً نتناول دور الإنترنت في حماية حقوق الإنسان. وقد جاء الفصل الثالث يناقش دور الإعلام في تشكيل الوعى الاجتماعي، من خلال مناقشة فلسفة الإعلام وسياساته ودور وسائل الإعلام ذاتها في هذه العملية. وينتهى الفصل بمناقشة قضية مهمة تتمثل في الأساليب المستخدمة في تزييف الوعى الاجتماعي إذ يعد الإعلام أحد الأساليب الأساسية في عملية التزييف.
ولما كانت تكنولوجيا الاتصال تشكل عاملاً مهماً في المجتمع المعاصر، فقد جاء الفصل الخامس ليناقش علاقة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات والجدل الدائر حول البث المباشر وعالمية المجتمع.
ولما كان البث التليفزيوني المباشر عبر الأقمار الصناعية هو نتيجة حتمية لتطور تكنولوجيا الاتصال، فقد بدأت هذه الظاهرة تأخذ مكانة مهمة بين الباحثين والمتخصصين. ولذلك جاءت موضوعات الفصل السادس من هذا الكتاب تناقش هذه القضية من خلال خمسة محاور أساسية ، يتناول المحور الأول أهمية التيلفزيون كوسيلة ثقافية، ثم يناقش المحور الثانى دور البث التليفزيوني المباشر في عولمة المجتمع إعلامياً وثقافياً. ويركز المحور الثالث على قضية البث التليفزيوني المباشر والهوية الثقافية العربية ويبرز ذلك من خلال مناقشة خصائص الهوية للثقافة العربية آليات اختراقها ويهتم المحور الرابع بدراسة المجتمع المصرى كنموذج لتأثير البث التليفزيوني المباشر في الهوية الثقافية العربية. ويتناول المحور الخامس والأخير الجهود المبذولة للحفاظ على الهوية الثقافية العربية.
أما الفصل السابع والأخير فيتنناول دور الإنترنت في حماية حقوق الإنسان من خلال إبراز خصائص الإنترنت كوسيلة إعلامية، ودورها في مجال حقوق الإنسان. وفي النهاية يجب التنويه أن معظم موضوعات هذا الكتاب هي في الأصل موضوعات بحثية نشرت في مجلات علمية محكمة، تقدم بها صاحب هذا المؤلف إلى اللجنة العلمية الدائمة للترقيات تخصص الإعلام). ويأمل الباحث أن يناله ذا الكتاب ثقة الباحثين والمهتمين بالإعلام وقضاياه ويرحب بأية توجيهات أو مناقشات سواء من قبل المختصين أو الطلاب في هذا المجال. ونسأل الله أن يكون هذا العمل خالصاً لوجه الله والعلم والوطن العربي.
طه نجم ميامي - الإسكندرية