📁 آخر الأخبار

هل للفرضية دور في المنهج التجريبي؟

هل للفرضية دور في المنهج التجريبي؟

مقدمة 

 إن من الاسباب التي أدت الى تطور العلوم وانفصالها عن الفلسفة هو اكتشاف المنهج التجريبي وتطبيقه على موضوعات الطبيعة سواء الحية او الجامدة ومن بين خطواته الاجرائية : الفرضية التي هي الفكرة التي توحي بها الملاحظة للعالم فتكون بمثابة خطوة تمهيدي لوضع القانون العلمي أي فكرة أو تفسير مؤقتة للظاهرة إلا أن مكانة الفرضية ودورها في البحث العلمي كانت محل اختلاف بين اصحاب النزعة العقلية المناصرين لدورها وبين اصحاب النزعة التجريبية الرافضين لها ومنه نطرح الاشكال الآتي : هل الفرضية ضرورية في أي بحث علمي؟ وبعبارة أخرى : هل الفرضية ضرورية في العلم ؟.

هل للفرضية دور في المنهج التجريبي؟ .

الموقف الأول :

 يذهب أنصار الاتجاه العقلي الى ان الفرضية كفكرة تسبق التجربة خطوة لازمة واكيدة وأساسية في المنهج التجريبي لا يمكن بأي حال من الاحوال الاستغناء عنها والتقليل من اهميتها وان الملاحظة والتجربة لا تكفيان في استخلاص القوانين العلمية قال كلود برنارد انما يكون التجريب بالعقل ويقول ايضا "الفرضية هي نقطة الانطلاقة الضرورية لكل استدلال تجريبي ويقول" هنري بوانكاري "الملاحظة والتجربة لا تكفيان في انشاء العلم ومن يقتصر عليهما يجهل الصفة الاساسية للعلم " فالقانون العلمي ماهو في حقيقة الأمر سوى فرض اثبتت التجربة صحته وهو بذلك عبارة عن مشروع قانون يضعه العالم بناءًا على ما تجمع لديه من ملاحظات وتصورات حول الظاهرة كما أن البحث العلمي يعود إلى تأثير العقل أكثر مما يعود إلى تأثير الحواس قال كلود برنارد إن الحادثة (الملاحظة) توحي بالفكرة (الفرضية) والفكرة تقود الى التجربة وتحكمها والتجربة تحكم بدورها على الفكرة ويقول أيضا الفكرة هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع واليها ترجع كل مبادرة " كما أن الظواهر الطبيعية لا تكشف عن نفسها بنفسها لان هناك ظواهر لا تلاحظ ملاحظة مباشرة ومثال ذلك الفلكي الذي يرصد حركة الاجرام السماوية والجيولوجي الذي يدرس طبقات الارض ومن هنا تظهر فاعلية العقل في كشف ماهو محسوس ولعل وصول عدد من العلماء إلى اكتشافات علمية نادرة بدون العودة الى معطيات الملاحظة المباشرة خير دليل على دور واهمية الفروض العقلية فالعالم الفلكي الشهير " كبلر " قد توصل الى معرفة حركة الكواكب عن طريق الاستنتاجات الرياضية الصرفة بعد ان افترض ان مدار الكواكب حول الشمس يكون في شكل كروي وجد أن هذا الافتراض بعيد كل البعد عن حساباته. بمعنى ان الكواكب لو كانت تدور بشكل كروي لا تستغرق مدة زمنية طويلة وهذا ما دفعه إلى تغيير افتراضه فتصور ان الكواكب تدور حول الشمس بشكل بيضي وجد أن هذا الغرض يتطابق مع الحسابات الرياضية وهذا ما جعله يجزم ان الكواكب تدور حول الشمس بشكل بيضي قال روبير بلانشي "الاستنتاج هو عصب العمل الاستقرائي بالاضافة الى ذلك جاءت تجارب برنارد حول الارانب مؤكدة على اهمية الفرضية التي انطلق منها كفكرة مؤقتة للوصول الى حقائق وقوانين علمية ضف الى ذلك ان الطبيعة لا تقدم لنا حقائق كلية وعلى العقل بواسطة الفرضيات التي يبتكرها تنظيمها وعزلها عن بعضها البعض حتى تصبح حقائق علمية بواسطة التجربة ولكي تؤدي وظيفتها العلمية لا بد ان تتوفر على شروط وهي : يجب ان تكون نابعة من ملاحظة ويجب أن تكون قابلة للتجريب ويجب الا تتضمن تناقضات داخليا. كما يجب الا تتعارض مع الحقائق التي اثبت صحتها بشكل صارم ودقيق .

النقد : 

على الرغم من أن الفرضية ضرورية لكن اعتماد الباحث على عقلة وخياله في تصور الحل الملائم للظاهرة بشكل مطلق قد يبعده عن حقيقتها ثم ان الفرضية لا تكون صحيحة ولا تنسجم مع موضوعية العلم إلا اذا توفرت فيها شروط. وعلية يصبح الاستغناء عنها ضروريا .

الموقف الثاني : 

يرى انصار المنهج التجريبي ان الفرضية فكرة غير ضرورية في المنهج التجريبي ويمكن استبعادها والتخلي عنها وان الملاحظة الجيدة والمتكررة مع التجريب تكفيان في استخلاص القوانين العلمية قال فرنسيس بيكون "الاختبار افضل برهان ويقول ايضا اختبر" كل شئ " ويقول ماجندي ان الملاحظة التي يلاحظها الباحث ملاحظة جيدة تغنيه عن سائر الافكار " فالفرضية فكرة ذاتية نابعة من خيال الباحث قد تكون خاطئة أو بعيدة عن الواقع فمثلا افتراض العلماء قديما بان الأرض هي مركز الكون وانها مسطحة الشكل قد بين تطور العلوم انه قد كان اعتقاد خاطئ قال نيوتن انني ابرهن ولا افترض ويقول ايضا "انني لا اكون فروضا " كما ان الملاحظة الجيدة والدقيقة مع التجربة تكفيان في الوصول الى النتائج العلمية قال ماجندي "الملاحظة الجيدة افضل من كل فرضيات العالم "و" قال ج.س. ميل "ان الطبيعة كتاب مفتوح ولإدراك القوانين التي تتحكم فيها ما عليك إلا ان تطلق العنان لحواسك وأما عقلك فلا وهذا ما دفع ميل الى وضع بعض الطرق والقواعد الاستقرائية من اجل الوصول الى القوانين العلمية وهي طريقة التلازم في الحضور وتعنى ان هناك تلازم بين العلة والمعلول في الوجود فاذا وجدت العلة وجد المعلول بالضرورة مثل وجود الجراثيم "العلة " يؤدي الى وجود تعفن اللحم "المعلول " . وطريقة التلازم في الغياب أي ان غياب العلة يؤدي الى غياب المعلول بالضرورة مثل غياب الجراثيم يؤدي الى غياب ظاهرة تعفن اللحم وطريقة التغير وتعني كل تغير يطرا على العلة يتبعه تغير في المعلول نظرا للتلازم القائم بينهما . وطريقة البواقي وتعنى الباقي من العلل الباقية من المعلولات على الرغم من ان الفرضية ليست خطوة ضرورية لكن استبدالها بقواعد الاستقراء لا يحل محلها لأنها نسبية كما ان عقل العالم اثناء البحث العلمي ينبغي ان يكون فعالاً وهذا ما اهمله التجريبيون وخاصة ميل يقول ويوال "ان الاستدلال التجريبي الذي يقترحه ميل يغفل دور العقل ونشاطه مع ان العقل هو الاداة التي نكشف بها العلاقات القائمة بين الاشياء "

التركيب

الفرضية خطوة اساسية في المنهج التجريبي لا يمكن الاستغناء عنها لان ظواهر الوجود تمتاز بالتداخل والترابط وفي احيان كثيرة بالتعقيد وهذا ما يجعل تاويلات العقل أكثر من ضرورية في عملية بناء المعرفة الحقيقة - القانون اليقين ولهذا. فالمنهج التجريبي لا يمكن ان يقود الى القوانين دون المرور على تفسيرات العقل الان المعرفة لا تتم الا بوجود عقل يقوم بمهمة التحليل البناء النقد الفحص لان الفرض الفاشل يساهم في انشاء الفرض الناجح عن طريق توجيه الفكر والعقل له وفي نفس الوقت فهو في حاجة الى التجربة قال باشلار "ان التجربة والعقل مرتبطان في التفكير العلمي فالتجربة في حاجة الى ان تفهم والعقل في حاجة الى تطبيق " .

الخاتمة :

وفي الاخير نستنتج بان الفرضية فكرة ضرورية في المنهج التجريبي ولكن في نفس الوقت يجب أن تخضع لشروط الروح العلمية كالموضوعية لكي لا يقع الباحث في الذاتية وبالتالي لا يمكن الاستغناء عنها قال الحسن ابن الهيثم "انني لا أصل الى الحق إلا من آراء يكون عنصرها الامور الحسية وصورتها الامور العقلية ".

قد يهمك أيضا قراءة

تعليقات