📁 آخر الأخبار

هل اصل المعرفة عقلي أم تجريبي ؟

هل اصل المعرفة عقلي أم تجريبي ؟

إن فطرة الإنسان مؤكول إليها حب المعرفة وإن فضوله في طلب الحقيقة غير متناهي وتاريخ العلم اثبت ان للإنسان طرق عديدة في الحصول عليها مما جعل الاختلاف سمة أساسية في البحث فبعد الاهتمامات الفلسفية القديمة مع أصل الوجود عند اليونان ومشكلة العقل والنقل في الفلسفة الوسيطية جاءت الفلسفة الحديثة واهتمت بمشكلة المعرفة التي تعددت وسائل الوصول إليها فمنها ماهو عقلي ومنها ما هو حسي وعلى هذا الأساس وقع جدل بين الفلاسفة فهناك من يرى أن أصل المعرفة العقل وبنقيض ذلك هناك من يرى أنها التجربة والحواس ومن هذا الاختلاف نطرح المشكلة الآتية : هل المعرفة عند الانسان اساسها العقل ام التجربة أو بعبارة اخرى هل العقل اصل المعرفة ام التجربة ؟

هل اصل المعرفة عقلي أم تجريبي ؟
هل اصل المعرفة عقلي أم تجريبي ؟.

الموقف الأول:

يرى أنصار المذهب العقلي بأن المعرفة اساسها العقل لا الحواس وهذا العقل قوة فطرية لدى جميع الناس واحكامه لا يتطرق اليها الشك وتصدق في كل زمان ومكان. كما أنه يحتضن الحقائق المحدوسة التي توفر المنطلق الصلب والأول للمعرفة التي من مميزاتها انها كلية وصادقة ويقينية أي ضرورية وشاملة حيث تنسجم هذه القضايا المعرفية تلقائيا مع متطلبات العقل المنطقية. لهذا يمكن تعميمها على جميع العقول البشرية في كل مكان وزمان كما نجد هذا اليقين في الرياضيات والمنطق لانهما يعتمدان على المنهج الاستنتاجي العقلي قال ديكارت "العقل هو احسن الاشياء توزيعا بين الناس إذ يعتقد كل فرد انه أوتي منه الكفاية ... ويتساوى بين كل الناس بالفطرة "وبالعقل" يستمد الفيسلوف قواعده و يستلهم المرشدون والمربون والناس العاديون مقاصدهم بدون برهان فهو ملكة ذهنية ندرك بها المعرفة وهو اشراق لا يخضع للعرف والتقاليد ليكون العقل أصدق محك للوحي وخير مقياس للحقيقة وهو قاسم مشترك بين الناس هذا العقل تأسس حسب ديكارت من الشك إلى البناء لتخليصه من الأفكار السائدة والآراء المسبقة وبما أن الشك تفكير فإنه يؤدي إلى الحقيقة قال ديكارت "أنا أفكر إذن أنا موجود" اما الحواس فهي خداعة وناقصة ولا تعطينا المعرفة الصحيحة وليست مصدر موثوق فيه ومعطياتها لا تثبت على حال اي متغيرة ونسبية قال ديكارت كل ما تلقيته حتى الآن على انه اصدق الامور واوثقها قد اكتسبته بالحواس غير اني وجدت الحواس خداعة ومن الحكمة الا نطمئن دائما كل الاطمئنان الى من خدعوناولو مرة واحدة " اما من الناحية الاخلاقية يبقي العقل دائما المصدر الأول للاخلاق فهو الذي يشرع قواعدها ويبنى معاييرها واسسها التي تتصف بالكلية والشمول وبالتالي، فقيمها مطلقة وثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان قال كانط "الضمير الخلقي ملكة عقلية خالصة واحكامها مطلقة "

النقد

على الرغم مما قدمه أنصار المذهب العقلي من أن العقل أساس المعرفة إلا أن المعرفة العقلية تبقي نسبية وليست مطلقة ودليل ذلك تطور العلوم وخاصة الرياضيات كما انهم بالغوا في تقديس دور العقل واهملوا دور الحواس.

الموقف الثاني :

يرى أنصار المذهب التجريبي ان اصل المعرفة عند الانسان هي التجربة. فمعارفنا نشأت عن طريقها وما العقل قبلها إلا صفحة بيضاء فهو لا يعرف شيئا ويبدا في اكتشاف العالم الخارجي بواسطتها قال جون لوك" العقل صفحة بيضاء وبالتجربة ننقش عليه ما نشاء " وبالتالي فالحسيون يرفضون الأفكار الفطرية لان العقل غير قادر إلى الوصول الى علم يقيني فاحكامه تتغير بتغير الزمان والمكان وتختلف باختلاف ظروف الانسان لذلك فهم يؤمنون بالخبرة المكتسبة ومثال ذلك لو قدمت تفاحة للاعمى فانه يعرف كل خصائصها الا لونها لانه من فقد حاسة فقد المعرفة المتعلقة بها لهذا فلولا الحواس لما كان للاشياء وجود فضلا عن وجودها في العقل قال جون لوك "لا يوجد في العقل شئ إلا وقد سبق وجوده في الحس " وقال ايضا لنفرض ان العقل صفحة بيضاء خالية من جميع الصفات فكيف يمكن ان يكتسب الانسان ذلك اني اجيب عن هذا السؤال بكلمة واحدة : بالتجربة ... فهي اساس كل معارف الانسان وهذا ما أكده دافيد هيوم حين ميز بين الافكار البسيطة والافكار المركبة فالمركبة ينتجها العقل البشري اما البسيطة فهي تلك التي يتوصل اليها الانسان عن طريق التجربة وبالتالي فاصل الافكار حسي. هذا من جهة ومن جهة أخرى أرجع هيوم مبدأ السبية العلمية التي تحكم المعرفة العلمية إلى مصدرها التجريبي إذا اعتبر ان هذا المبدأ مجرد عادة تنشأ عند الناس عن طريق الملاحظة الحسية كلما رأو حادثتين متتابعين ويترتب عن هذا ميل الإنسان إلى أن يتوقع حدوث الظاهرة اللاحقة متى وقعت الظاهرة السابقة وهكذا اتصل إلى تجاوز العقل وانكار الافكار المجردة والاستعانة بالتجربة الحسية قال دافيد هيوم "لاشئ من الافكار يستطيع ان يحقق لنفسه ظهورا في العقل ما لم يكن قد سبقته ومهدت له الطريق انطباعات مقابلة له " اما من الناحية الاخلاقية يستمد الانسان سلوكاته وتصرفاته من المجتمع الذي يعيش فيه وذلك عن طريق الاكتساب من التجربة والخبرة واخذ العبرة لان الفرد مراة عاكسة للبيئة التي ولد فيها إذا افكارنا ومعارفنا تمتد بامتداد تجاربنا وخبراتنا قال توماس ريد ان الانسان" يدرك بالحواس ويرى" كونديك ان جميع افكارنا ليس لها منبع سوى الاحساس اما ماركس فيرى أن حركة الفكر ليست سوى انعكاس لحركة الواقع بعد ان انتقلت الى دماغ الانسان وعليه فلمعرفة بكل اشكالها واصنافها ترجع التجربة على الرغم مما قدمه انصار المذهب التجريبي الحسي من أن المعرفة ترجع إلى الحواس الا ان هذه الحواس خداعة وناقصة وكثيرا ما تقع في اخطاء وهذا ما يثبته الواقع فمثلا نرى عن طريق الحواس بأن النجوم صغيرة وهي في الأصل كبيرة كيف نفسر ذلك؟ كذلك الحسيون بالغوا في تمجيد الحواس واهملوا دور العقل الذي بفضله تفسر وتنظم المعطيات الحسية.

التركيب

ان الحقيقة والمعرفة عند الانسان تاتي عن طريق التكامل والتوافق بين العقل والتجربة معا ولا يمكن الفصل بينهما وهذا ما نادت به النظرية النقدية حيث وجدت توفيقا بينهما فالتجربة. تعطي ادراكات مبعثرة ومنفصلة والعقل ينظمها ويفسرها قال كانط "الإدراكات الحسية بدون مفاهيم عقلية عمياء والمفاهيم العقلية بدون ادراكات حسية.
جوفاء "

الخاتمة

وفي الأخير نستنتج بأن المعرفة الانسانية ليس اصلها العقل فقط ولا الحواس فقط وانما مصدرها العقل والتجربة معا وبالتالي فهي فطرية لأنها مطلقة ويقينية ومكتسبة في نفس الوقت لأنها تستمد من العالم الخارجي عن طريق الملاحظة الحسية .

قد يهمك أيضا قراءة

تعليقات