📁 آخر الأخبار

هل اصل معارفنا العقل ام النفع ؟

هل اصل معارفنا العقل ام النفع ؟

مقدمة : 

من بين المواضيع التي اهتمت بها الفلسفة قديما وحديثا موضوع الحقيقة التي ترتبط أساسا بنظرية المعرفة ومصدرها, وانبثقت من خلالها اتجاهات فكرية ومذاهب مختلفة كالمذهب العقلي والمذهب البراغماتي, وعلى هذا الأساس اختلف الفلاسفة والمفكرين فمنهم من يرى ان المعرفة الذي يسعى اليها الانسان تكمن في العقل. في حين هناك من ربطها بالمنفعة والعمل الناجح ومن هذا الاختلاف والتباين في الافكار نطرح المشكلة الآنية هل المعرفة الانسانية أساسها العقل ام النفع أو بعبارة اخرى : هل المعرفة تكمن في المبدا ام في النتيجة ؟

هل اصل معارفنا العقل ام النفع ؟
هل اصل معارفنا العقل ام النفع ؟.

الموقف الأول:

يرى أنصار المذهب العقلي بأن المعرفة أساسها العقل وهذا العقل قوة فطرية لدى جميع الناس واحكامه لا يتطرق اليها الشك وتصدق في كل زمان ومكان. كما أنه يحتضن الحقائق المحدوسة التي توفر المنطلق الصلب والاول للمعرفة التي من مميزاتها انها كلية وصادقة ويقينية أي ضرورية وشاملة حيث تنسجم هذه القضايا المعرفية تلقائيا مع متطلبات العقل المنطقية لهذا. يمكن تعميمها على جميع العقول البشرية في كل مكان وزمان. كما نجد هذا اليقين في الرياضيات والمنطق لانهما يعتمدان على المنهج الاستنتاجي العقلي وقال ديكارت "العقل هو احسن الاشياء توزيعا بين الناس اذ يعتقد كل فرد انه اوتي منه الكفاية ... ويتساوى بين كل الناس بالفطرة "وبالعقل يستمد الفيسلوف قواعده ويستلهم المرشدون والمربون والناس العاديون مقاصدهم بدون برهان فهو ملكة ذهنية ندرك بها المعرفة وهو اشراق لا يخضع للعرف والتقاليد ليكون العقل أصدق محك للوحي وخير مقياس للحقيقة وهو قاسم مشترك بين الناس هذا العقل تأسس حسب ديكارت من الشك إلى البناء لتخليصه من الأفكار السائدة والآراء المسبقة. وبما أن الشك تفكير فإنه يؤدي إلى الحقيقة قال ديكارت أنا أفكر إذن أنا موجود" اما الحواس فهي خداعة وناقصة ولا تعطينا المعرفة الصحيحة وليست مصدر موثوق فيه ومعطياتها لا تثبت على حال اي متغيرة ونسبية قال ديكارت كل ما تلقيته حتى الآن على انه اصدق الامور واوثقها قد اكتسبته بالحواس غير اني وجدت الحواس خداعة, ومن الحكمة الا نطمئن دائما كل الاطمئنان الى من خدعونا ولو مرة واحدة " اما من الناحية الاخلاقية يبقي العقل دائما المصدر الاول للاخلاق فهو الذي يشرع قواعدها ويبنى معاييرها و اسسها التي تتصف بالكلية والشمول وبالتالي فقيمها مطلقة وثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان قال كانط "الضمير الخلقي ملكة عقلية خالصة واحكامها مطلقة "
على الرغم مما قدمه أنصار المذهب العقلي من أن العقل أساس المعرفة إلا أن المعرفة العقلية تبقي نسبية وليست مطلقة وتاريخ العلم يوضح ذلك والدليل تطور العلوم وخاصة الرياضيات وانتقالها من المطلق الى النسبي و الفيزياء من الفيزياء الكلاسيكية الى المعاصرة وغيرها من العلوم التي كانت عقلية مطلقة واصبحت نسبية متغيرة

الموقف الثاني : 

يرى انصار النظرية البراغماتية امثال تشارلز بيرس وجون ديوي ووليام جيمس بأن اصل المعرفة والحقيقة عند الانسان هو العمل المنتج لان الفكرة الصحيحة هي التي تؤدي بنا الى النجاح في الحياة العملية وما تحققه من منافع ومصالح قال جميس إن كل فكرة لا تنتهي إلى سلوك عملي واقعي فكرة باطلة وأن العمل المنتج أفضل من التخمينات الفارغة لأن في هذا العمل نقرأ الصدق والحق والبراغماتية ظهرت لنقد ورفض كل الفلسفات المجردة والتقليدية المغلقة والمعلقة في فضاء العلل والاسباب الاولى وخاصة الفلسفة العقلانية والمثالية لان الحلول التي وصلت اليها نظرية تجريدية لا وجود لها في الواقع لهذا فهي مجرد خرافات وبالتالي فهي غير مجدية لانها تبعد الانسان عن تحقيق ما ينفعه قال بيرس فلا مجال للقول بان المعرفة تتحدد في حدود الاعتبارات النظرية التاملية أو الفكرية " كما أنها قائمة على العبرة بالنتائج اي ان المنفعة العملية هي معيار ومقياس كل فكرة لان كل فكرة لا تحمل في طياتها مشروعا قابلا لانتاج عملية نفعية تعتبر خرافة بمعنى ان كل فكرة او اعتقاد لا ينتهي الى سلوك عملي في الواقع تعتبر فكرة باطلة وان كل العبرة هي بالعمل المنتج بدلا من التخمينات الفارغة قال بيرس ان الحق يقاس بمعيار العمل المنتج وليس بمنطق العقل المجرد والفكرة هي خطة للعمل ومشروع " اضافة الى ذلك تدعو النفعية الى العبرة بالنتائج الناجحة بمعنى ان صحة الفكرة تعتمد على ما انتجته من منفعة لهذا فالفكرة الصحيحة هي عبارة عن سلعة فإذا كانت رائجة وحققت ربح فهي حقيقية اما اذا لم تحقق ذلك فهي غير حقيقية وذلك ما يؤكد ارتباط صحة الفكرة بينتائجها النافعة أو بنجاحها عمليا في حل المشكلات قال جيمس " إن آية الحق النجاح وآية الباطل الاخفاق" ويقول أيضا " الفكرة الصادقة هي تلك التي تؤدي بنا إلى النجاح بتحقيقها تجريبيا فإذا ما انتهيت من التحقيق وتأكدت من سلامة الفكرة سميتها نافعة " إذا المبدأ الوحيد والقاعدة المثلى في فهم الحقيقة هي المنفعة والنجاح وربطها بمعيار الصدق هو ما يحققه من منافع لهذا فالصدق خيرا لانه نافعا قال بيرس ان كل فكرة لا تنتهي الى سلوك عملي في دنيا الواقع فهي فكرة خاطئة او ليس لها معنى " على الرغم مما قدمه البراغماتين من ان الحقيقة تكمن في النفع الا ان هذه المسألة نسبية وغير مطلقة لان ما يحقق لشخص منفعة قد يحقق لغيره ضررا كما ان ربط المعرفة بالمنفعة فحسب يقضي على شروطها الا وهي الموضوعية والشمولية. بالاضافة الى انه ليس من الضروري ان تكون كل فكرة ليست لها آثار عملية هي خاطئة لان الرياضيات كعلم صوري بالرغم من انه يمثل انطباق الفكر مع نفسه الا انه نتائجها مطلقة ويقينية .

التركيب :

ان اصل المعرفة الانسانية لا يمكن حصرها في العقل وحده لانها سوف تصبح مثالية مجردة كما لا ينبغي حصرها في المنفعة لانها سوف تصبح مادية نسبية ومتعددة. فالمعرفة اذا قوامها العقل والمنفعة معا ولا يمكن الفصل بينهما فيما متكاملان ومتداخلان

الخاتمة

وفي الاخير نستنتج ان العقل والتجارب النافعة اساس معارفنا ولا يمكن اهمال احدهما على حساب الآخر لان الفرد يسعى دوما وراء مصالحه لكن هذا السعي خاضع للعقل فهو يعي ويدرك ما يريده وما يرغب فيه.

تعليقات