عبد الباسط عبد المعطي رائد علم الاجتماع السياسي في العالم العربي
يُعتبر عبد الباسط عبد المعطي (1935-2015) أحد أبرز علماء الاجتماع في العالم العربي، وأحد رواد علم الاجتماع السياسي، بل يُعدّه البعض مؤسس هذا الفرع من علم الاجتماع في المنطقة. فمن خلال كتاباته وإسهاماته الفكرية الغزيرة، ساهم عبد المعطي في فهم التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها المنطقة العربية خلال القرن العشرين وما بعده.
عبد الباسط عبد المعطي رائد علم الاجتماع السياسي في العالم العربي. |
تركزت أعمال عبد المعطي على قضايا السلطة والدولة، الطبقة الاجتماعية، الحركات الاجتماعية، التغيير الاجتماعي، والتنمية، بالإضافة إلى إسهاماته في نقد التراث وتجديد الفكر العربي.
النشأة والتعليم
وُلد عبد الباسط عبد المعطي في قرية "بني ونيش" بمحافظة المنيا في مصر عام 1935. نشأ في بيئة ريفية، وتلقى تعليمه في الكتاب، ثم في المدارس الحكومية. حصل على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة عام 1957، ثم على درجة الماجستير في علم الاجتماع من نفس الجامعة عام 1964.
بعد حصوله على الماجستير، حصل عبد المعطي على منحة للدراسة في جامعة Princeton بالولايات المتحدة الأمريكية، وحصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع عام 1967، وكان عنوان رسالة الدكتوراه "The Sociology of Ideology: The Case of Egypt".
الحياة المهنية
بعد حصوله على الدكتوراه، عاد عبد المعطي إلى مصر ليشغل منصب أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة، حيث ساهم في تأسيس قسم علم الاجتماع السياسي، وهو القسم الأول من نوعه في العالم العربي.
عمل عبد المعطي أيضًا أستاذًا زائرًا في العديد من الجامعات العربية والأجنبية، منها الجامعة الأمريكية في بيروت، وجامعة الكويت، وجامعة أكسفورد.
الفكر
تميّز فكر عبد المعطي بالدقة والوضوح والعمق، واستند إلى منهج علمي دقيق في تحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية، مع ربطها بالسياق التاريخي والاجتماعي والثقافي.
يمكن تلخيص أبرز ملامح فكره في النقاط التالية:
* نقد التراث وتجديد الفكر العربي:
دعا عبد المعطي إلى ضرية نقد التراث العربي والإسلامي بما يخدم التطور والتغيير الاجتماعي، ونبذ الجمود والتقليد.
رفض التفسير الأيديولوجي للتاريخ، ودعا إلى قراءة التاريخ من منظور علمي موضوعي.
* الطبقة الاجتماعية:
اهتم عبد المعطي بتحليل التركيب الطبقي للمجتمعات العربية، ودور الطبقة في عملية التغيير الاجتماعي والسياسي.
درس تطور النخب الحاكمة، ونشوء البرجوازية الوطنية في العالم العربي.
* الدولة والسلطة:
ركز على دراسة دور الدولة في التطور الاجتماعي والاقتصادي، وركز على التحولات التي شهدتها الدولة العربية الحديثة.
ناقش مفهوم السلطة، وركز على مصادرها ومظاهرها في المجتمعات العربية.
* الحركات الاجتماعية:
درس عبد المعطي الحركات الاجتماعية، من ثورات إلى انتفاضات إلى حركات إصلاحية، وحلل العوامل المؤدية لظهورها، ودورها في التغيير الاجتماعي.
* التغيير الاجتماعي:
اهتم بفهم العوامل المؤثرة في التغيير الاجتماعي، واستلهم من النظرية التطورية لعلم الاجتماع لتفسير التحولات التي شهدتها المجتمعات العربية.
الإنتاج الفكري
يُعد عبد الباسط عبد المعطي من أكثر علماء الاجتماع العرب إنتاجًا، فقد أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات القيمة في علم الاجتماع والتي ترجم بعضها إلى لغات أجنبية.
من أهم مؤلفاته:
التطور والتغيير الاجتماعي: وهو من أبرز مؤلفاته التي تناول فيها نظريات التغيير الاجتماعي، وأبرز التغييرات التي شهدتها المجتمعات العربية في العصر الحديث.
علم الاجتماع السياسي: وهو من أول الكتب التي تناولت علم الاجتماع السياسي في العالم العربي، حيث قدم فيه مدخلا للفهم العلمي للظواهر السياسية.
الإيديولوجيا والتنمية: ناقش فيه العلاقة بين الأفكار والتنمية، ودور الإيديولوجيا في توجيه التغيير الاجتماعي والاقتصادي.
التراث والتغيير الاجتماعي: قدم فيه قراءة ناقدة للتراث العربي الإسلامي، ودعا إلى تجديده ليتناسب مع متطلبات العصر الحديث.
دراسات في المجتمع المصري: وهو كتاب يضم مجموعة من دراسات عبد المعطي حول مختلف قضايا المجتمع المصري.
أزمة التغيير الاجتماعي في الوطن العربي: وهو كتاب من أشهر مؤلفات عبد المعطي، حيث تناول فيه التحديات التي تواجه المجتمعات العربية في مسار التغيير والتطور.
التأثير
ترك فكر عبد الباسط عبد المعطي تأثيرا كبيرا على أجيال من علماء الاجتماع والباحثين في العالم العربي، وأصبح من الرواد الذين ساهموا في تطوير فهم التحولات الاجتماعية والسياسية في المنطقة العربية.
لقد ساعد منهجه العلمي الدقيق في التأسيس لدراسات اجتماعية جادة بعيدة عن التحيزات الأيديولوجية، وانعكس ذلك على تلاميذه الذين تبوأ الكثير منهم مناصب أكاديمية مرموقة، وساهموا في إثراء المعرفة الاجتماعية في العالم العربي.
الخاتمة
رحل عبد الباسط عبد المعطي عام 2015، بعد مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والمعرفي، لكنه ترك إرثا غنيًا من الأعمال والأفكار التي ستظل نبراسًا للباحثين في علم الاجتماع في العالم العربي. ولعل أبرز ما يميز عبد المعطي أنه لم يكن مفكرا معزولا في برجه العاجي، بل كان مشاركا في الحياة الاجتماعية والسياسية، وداعيا للتغيير والتقدم في المنطقة العربية.