عالم الاجتماع المنصف وناس رحلة في رحاب المجتمعات العربية

يعد المنصف وناس واحدًا من أبرز علماء الاجتماع العرب المعاصرين، وقد تركت أعماله بصمة عميقة في فهم المجتمعات العربية وتحليل تحولاتها. امتدت مسيرته الأكاديمية والبحثية لأكثر من أربعة عقود، قدم خلالها إسهامات نظرية ومنهجية ثرية، ساهمت في إثراء المعرفة الاجتماعية العربية. تطرقت أبحاثه لمجموعة واسعة من القضايا، بدءًا من الدين والهوية والقبيلة، وصولًا إلى الحراك الاجتماعي والتطور والتحولات السياسية.

وُلد المنصف وناس في تونس عام 1948، ونشأ في بيئة فكرية وثقافية غنية، مما ساهم في تشكيل وعيه المبكر. تلقى تعليمه في تونس وفرنسا، حيث حصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون. تأثر خلال فترة تكوينه العلمي بعدد من الرواد في علم الاجتماع، مثل ماكس فيبر وإميل دوركايم، كما تأثر بالفكر النقدي لعلماء اجتماع عرب أمثال عبد الله العروي وهشام شرابي.

تركزت أبحاث المنصف وناس على دراسة المجتمعات العربية وتحولاتها، محاولًا فكّ شيفرة تعقيداتها، وفهم دينامياتها الداخلية. يمكن تقسيم أبحاثه إلى محاور رئيسية:

أولى وناس اهتمامًا خاصًا بدراسة دور الدين في تشكيل الهوية الفردية والجماعية في المجتمعات العربية. تناول هذا الموضوع من خلال دراسة ظاهرة التصوف في شمال أفريقيا، وتحليل العلاقة بين الدين والسياسة في العالم العربي. أكد وناس على ضرورة فهم الدين كظاهرة اجتماعية متعددة الأبعاد، متجاوزًا الرؤية الاختزالية التي تحصر الدين في إطار ضيق.

شكلت القبيلة محورًا هامًا في أعمال وناس، حيث عالج مسألة دورها في تشكيل البنى الاجتماعية العربية، وتحليل تحولاتها في سياق الحداثة. أشار وناس إلى أنّ القبيلة ليست ظاهرة جامدة، بل هي منظومة اجتماعية تتفاعل مع التغيرات السياسية والاقتصادية، وتخضع لعمليات تحول مستمرة.

اهتم وناس بدراسة ظاهرة الحراك الاجتماعي في المجتمعات العربية، مُركزًا على عوامل الصعود والهبوط الاجتماعي، ودور التعليم والعمل في إعادة تشكيل الطبقات الاجتماعية. سلط وناس الضوء على التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات العربية، ودعا إلى ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية كشرط أساسي للتنمية المستدامة.

حلل وناس التحولات السياسية التي شهدتها المجتمعات العربية خلال العقود الأخيرة، مُركزًا على عوامل الانتفاضات والثورات العربية، ودور النخب في صياغة مستقبل المنطقة. دعا وناس إلى ضرورة فهم هذه التحولات في سياقها التاريخي والاجتماعي، وتجنب التفسيرات السطحية التي تغفل عن تعقيدات المشهد العربي.

تميزت أبحاث المنصف وناس بالاعتماد على مقاربة متعددة التخصصات، حيث جمع بين علم الاجتماع والتاريخ والأنثروبولوجيا، مستفيدًا من أدوات التحليل الكمي والكيفي. حرص وناس على ربط التحليل النظري بالواقع الملموس، مُستندًا إلى دراسات ميدانية معمقة، واستقصاءات رأي واسعة. تميزت كتاباته بالوضوح والدقة، مع اعتماد أسلوب سلس بعيد عن التعقيد.

ساهمت أعمال المنصف وناس في إثراء علم الاجتماع العربي، وقدّمت أطروحات جديدة لفهم المجتمعات العربية وتحولاتها. أثرت أبحاثه على جيل جديد من علماء الاجتماع العرب، كما حظيت أعماله باهتمام واسع من الباحثين الغربيين. يُعدّ وناس اليوم أحد أهم الأسماء المرجعية في علم الاجتماع العربي، وتُدرّس كتبه في العديد من الجامعات العربية والغربية.

أثرى المنصف وناس المكتبة العربية بمجموعة واسعة من المؤلفات التي لاقت صدى واسعًا في الأوساط الأكاديمية:

مجتمع الإسلام: دراسة في علم الاجتماع الديني.

العقل والحداثة في Maghreb: دراسة في علم الاجتماع التاريخي.

القبيلة والدولة: دراسة في علم الاجتماع السياسي.

الطبقات الاجتماعية والتغيير الاجتماعي في العالم العربي.

التحولات الاجتماعية والثقافية في العالم العربي المعاصر.

تمثل مسيرة المنصف وناس رحلة فكرية خصبة في رحاب علم الاجتماع العربي، وقد تركت أعماله بصمة عميقة في فهم المجتمعات العربية وتحولاتها. أسهمت أبحاثه في إثراء المعرفة الاجتماعية العربية، كما فتحت أمام الباحثين آفاقًا جديدة لدراسة المجتمعات العربية بأدوات علمية رصينة. يظلّ وناس اليوم أحد أبرز علماء الاجتماع العرب المعاصرين، وذلك بفضل إسهاماته الفكرية المتميزة، ومسيرته العلمية الغنية.

المنصف وناس، علم الاجتماع العربي، المجتمعات العربية، الدين والهوية، القبيلة، الحراك الاجتماعي، التحولات السياسية، الحداثة، التنمية.