هل الحقيقة تكمن في العمل النافع أم في تحقيق ماهية الذات؟
هل الحقيقة تكمن في العمل النافع أم في تحقيق ماهية الذات؟ |
الموقف الاول :
يرى انصار النظرية البراغماتية امثال تشارلز بيرس وجون ديوي ووليام جيمس بأن أصل المعرفة والحقيقة عند الانسان هو العمل المنتج لان الفكرة الصحيحة هي التي تؤدي بنا الى النجاح في الحياة العملية وما تحققه من منافع و مصالح قال "جميس إن كل فكرة لا تنتهي إلى سلوك عملي واقعي فكرة باطلة وأن العمل المنتج أفضل من التخمينات الفارغة لأن في هذا العمل نقرأ الصدق والحق والبراغماتية ظهرت لنقد ورفض كل الفلسفات المجردة والتقليدية المغلقة والمعلقة في فضاء العلل والاسباب الأولى وخاصة الفلسفة العقلانية والمثالية لان الحلول التي وصلت اليها نظرية تجريدية لا وجود لها في الواقع لهذا فهي مجرد خرافات وبالتالي فهي غير مجدية لانها تبعد الانسان عن تحقيق ما ينفعه قال بيرس "فلا مجال للقول بان المعرفة تتحدد في حدود الاعتبارات النظرية التاملية او الفكرية " كما أنها قائمة على العبرة بالنتائج اي ان المنفعة العملية هي معيار ومقياس كل فكرة لان كل فكرة لا تحمل في طياتها مشروعا قابلا لانتاج عملية نفعية تعتبر خرافة بمعنى ان كل فكرة او اعتقاد لا ينتهي الى سلوك عملي في الواقع تعتبر فكرة باطلة وان كل العبرة هي بالعمل المنتج بدلا من التخمينات الفارغة قال بيرس "ان الحق يقاس بمعيار العمل المنتج وليس بمنطق العقل المجرد والفكرة هي خطة للعمل ومشروع " اضافة الى ذلك تدعو النفعية الى العبرة بالنتائج الناجحة بمعنى ان صحة الفكرة تعتمد على ما انتجته من منفعة لهذا فالفكرة الصحيحة هي عبارة عن سلعة فإذا كانت رائجة وحققت ربح فهي حقيقية اما اذا لم تحقق ذلك فهي غير حقيقية وذلك ما يؤكد ارتباط صحة الفكرة بينتائجها النافعة أو بنجاحها عمليا في حل المشكلات قال جيمس " إن أية الحق النجاح وآية الباطل الاخفاق" ويقول أيضا " الفكرة الصادقة هي تلك التي تؤدي بنا إلى النجاح بتحقيقها تجريبيا فإذا ما انتهيت من التحقيق وتأكدت من سلامة الفكرة سميتها نافعة " إذا المبدأ الوحيد والقاعدة المثلى في فهم الحقيقة هي المنفعة والنجاح وربطها بمعيار الصدق هو ما يحققه من منافع لهذا فالصدق خيرا لانه نافعا قال بيرس ان كل فكرة لا تنتهي الى سلوك عملي في دنيا الواقع فهي فكرة خاطئة او ليس لها معنى "
على الرغم مما قدمه البراغماتين من ان الحقيقة تكمن في النفع الا ان هذا المسألة نسبية وغير مطلقة لان ما يحقق لشخص منفعة قد يحقق لغيره ضررا كما ان ربط المعرفة بالمنفعة فحسب يكون قد حصرناها في نطاق ضيق وذاتي وتصبح مسألة شخصية لا علاقة لها بالتأمل الفلسفي.
الموقف الثاني :
يرى انصار المذهب الوجودي امثال كير كجارد و هيد غروسارتر بان الوجودية هي المذهب الأصلح للإنسان لانها تهيئ له فرصة الرجوع الى ما هيته لتاملها ووعيها وذلك بالبحث في الوجود الإنساني ومعرفة الأسباب والعوامل المؤثرة فيه وكيفية مواجهتها ومن هنا فهي تسعى إلى إبراز قيمة الوجود الفردي والإهتمام بالإنسان وهو اتجاه فلسفي يعتبر الإنسان محور النظر والتفكير من خلال الرجوع إلى الوجود الواقعي للإنسان وتجاربه الفعلية التي تعبر عن ماهيته ومن بين أسسه الوجود سابق للماهية وعليه. ميز سارتر بين نوعين من الوجود : الوجود في ذاته وهو وجود الأشياء وهي موجودات ماهيتها تسبق وجودها - والوجود لذاته : وهو الوجود الإنساني ويمثل التحقق الفعلي للإنسان كما يشعر به كل واحد منا بداخله ويحياه بتجاربه وهو وجود غير مكتمل وكأنه مشروع وجود ينزع باستمرار نحو المستقبل وهو متغير يسعى دوما لإكمال ذاته والتعبير عن ماهيته والوجود فيه سابق للماهية قال سارتر الإنسان" مشروع وجود يحيا ذاتيا ولا يكون إلا بحسب ما ينويه وما يشرع بفعله وبهذا الفعل الحر الذي يختار به ذاته يخلق ماهيته بنفسه" بمعنى ان الوجود الحقيقي في نظر الوجوديين ميزة يمتاز بها الانسان فقط وذلك لانه يتطلب الاختيار والحرية لان من يوجد حقيقة هو الذي يختار نفسه بكل حرية وهو الذي يكون نفسه اي هو الذي صنع نفسه اي ان الوجود مرادف للاختيار ومن يتوقف عن الاختيار الحر لا يكون له وجود حقيقي قال سارتر ان الحرية ليست صفة مضافة أو خاصية من خصائص طبيعتي بل هي نسيج وجودي فقد حكم علينا بان نكون احرارا " وبما أن الانسان حرا بهذه الصورة فهو اذن مسؤول مسؤولية كاملة عن افعاله لانها افعال قام بها بحرية تامة واختيار كامل وادراك تام وبذلك يرفض الفلاسفة الوجوديون تبرير سلوك الانسان وافعاله بعوامل وظروف تتحكم فيه لكي ينتصل من مسؤوليته عن هذا الفعل قال سارتر "حقا فانا الذي اختار افعالي لهذا فانا مسؤول عن اختياري في كل وقت وفي كل زمان " ويقول ايضا "لا يوجد غيري فانا وحدي الذي اقرر الخير واخترع الشر "كما أن مصدر المعرفة عند الوجوديين ومنهج الصحة واليقين هي التي تنبع من أعماقنا وتحددها التجربة الشعورية التي نحياها ونعيشها في الواقع فلا حقيقة ولا معرفة إلا ما نحياه وتتفعل له ونقصد إليه وهذا لا يعني الإنغلاق على الذات والإنطواء وإنما هو شعور قصدي يتجه إلى الأشياء والظواهر ويحدد وجودها الحقيقي قال كير كجارد" ان الاختيار يجر الى الخطنية والى المخاطرة بطبعها تؤدي الى القلق والياس" وعليه فمصدر الاساسي الذي تبنى عليه الحقيقة هو برجوع الى الذات الانسانية وتحقيق ماهيتها .على الرغم مما قدمته الفلسفة الوجودية. الا انها تبقي نزعة متطرفة تحصر الانسان في ذاتيته بالاضافة الى انها فلسفة تشاؤمية وعبثية والهزامية تنادى بحرية الانسان المطلقة وبالتالي فهو مسؤول مسؤولية كاملة عن افعاله وهذا يتناقض مع الواقع الذي يؤكد بأن سلوك الانسان يخضع لظروف نفسية واجتماعية وبيولوجية لهذا فهو مقيد ومسؤوليته نسبية وليست مطلقة.