مباحث الفلسفة: استكشاف مفاهيم الوجود والمعرفة والأخلاق
مقدمة:
الفلسفة، بجذورها العميقة وتاريخها الطويل، تُعد من أقدم الحقول الفكرية التي سعت لفهم طبيعة الإنسان والعالم من حوله. عبر العصور، ناقشت الفلسفة العديد من المباحث التي تناولت قضايا الوجود، والمعرفة، والأخلاق، والجمال، وغيرها من المواضيع التي تشكل إطارًا شاملًا للحياة البشرية وتوجهاتها. يهدف هذا المقال إلى استكشاف أبرز مباحث الفلسفة، وكيف أسهمت تلك المباحث في تشكيل نظرتنا للحياة والكون، وذلك من خلال مراجعة الأفكار والمحاور الأساسية التي تناولها الفلاسفة عبر التاريخ.
مباحث الفلسفة. |
اولا : الابستومولوجيا
1 - تعريف الابستيمولوجيا
الابستيمولوجيا لفظ مركب من كلمتين، ابيستيما Epistémè وتعني العلم، ولوغوس Logos وتعني النظرية أو الدراسة، ومن ثم فهي علم العلم وبمنعى اصح فلسفة العلم ، وهي الدراسة التي تهتم وتهتم بمبادئ العلوم و فرضياتها ونتائجها دراسة نقدية بغرض ابراز قيمتها الموضوعية [1]. يفرق لالاند بين الابستمولوجيا ونظرية المعرفة على أساس أن الثانية تدرس المعرفة بالتفصيل بشكل بعدي في حين الابستمولوجيا تدرسها على صعيد وحدة الفكر للكشف عن أصلها المنطقي واهم مسائلها هي : هل المعرفة ممكنة ؟ وما هو مصدر المعرفة ؟ وما هي طبيعة المعرفة ؟
2 - إمكانية المعرفة :
السؤال عن إمكانية المعرفة من عدمها يعود للسفسطائيين الذين شككوا في إمكان الوصول إلى المعرفة ، وهو افتراض مرفوض عند سقراط وأتباعه، إلا أن هذا الرفض لا ينفي ما في السؤال من عمق لأنه فرض على الفلاسفة مراجعة أفكارهم ، وساعد على التمييز بين الوثوقيين والشكيين.
أ ـ المذهب الوثوقي / الدغمائية
الوثوقية أو القطعية أو الاعتقادية مذهب من يثق في معارفه ، ويطلق على أصحاب الأحكام المطلقة سواء كانت ايجابية أو سلبية وفي كلا الحالتين تكون دون تمحيص مع رفض التسليم بأنها قد تكون معرضة للخطأ[2] وهي على النقيض من المذهب الريبي أو الشكي. ومن ابرز المدارس الوثوقية الرواقية والابيقورية.
ب ـ المذهب الشكي / الريبية
الشك هو التردد بين نقيضين لا يرجح العقل احدهما على الآخر، وهو عند ديكارت مفيد جدا بشرط أن يكون منهجيا ، لأنه بهذه الصفة سيساهم في الوصول إلى اليقين [3] . وقد استعمله من قبل في الفلسفة الإسلامية أبو حامد الغزالي. وعنده من لم يشك لم ينظر ومن لم ينظر لم يبصر ومن لم يبصر بقي في العمى والضلال . أما عندما يكون الشك من اجل الشك فقط ، فنحن مع الشك السلبي الذي ينسب لبيرون Pyrrhon 365 – 275 ق م ، صاحب مذهب اللاادرية المنكر للعلم واليقين ، الأمر الذي يؤدي إلى التوقف عن الحكم [4].
3 - مصادر المعرفة :
مصادر المعرفة متنوعة أهمها العقل والحواس بالإضافة إلى قنوات أخرى.
أ ـ العقل :
العقل طريق للمعرفة عند الكثير من الفلاسفة منذ سقراط وأفلاطون، لأنه أفضل الملكات التي يتوفر عليها الإنسان. ويعتقد بعضهم أن المعلومات موجودة في العقل بشكل فطري، وبالتالي يكون التعليم عندهم مجرد مساعدة المتعلم على استحضار تلك المعلومات المركوزة فيه وتحفيزه على تذكرها فقط .
ب ـ التجربة:
في العصر الحديث اشتدت أكثر الآراء المناهضة لفطرية الأفكار كما ظهرت عند أفلاطون ، وقد صب هذا الرفض في صالح الاتجاه الذي يرى أن المعارف غير موجودة بشكل قبلي، بل تتكون بعد الميلاد عن طريق الحواس من الواقع الحسي.وان العقل العقل ياتي صفحة بيضاء كمل قال جون لوك وما على الإنسان إلا يزوده بالمعارف عن طريق الوسائل المتاحة في عالم الحس والتجربة .
3 ـ المنفعة :
بالنسبة للبراغماتيين فإن المعرفة نسبية شأنها شأن الأخلاق، ذلك لأن معيار المعرفة عندهم هو المنفعة ، فإذا كانت القضية تؤدي إلى منافع فهي حقيقية، أما إن كانت بلا فائدة فهي مجرد وهم في رأس حاملها كما قال وليام جيمس[5].
4 ـ الحدس :
في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ظهر من يشك في قدرة العقل على حل كل المسائل التي تعترض الإنسان، وتبين لهم أن العقل له قدرة كبيرة على حل القضايا وهي في حالة السكون. أما إذا كانت في حالة حركة مثل الأحداث التي يمر بها الإنسان فإنه غير مؤهل لتفسيرها. هذا ما حاول برغسون تأكيده عندما تحدث عن الديمومة إي حركة الإنسان أثناء حياته، وتبين له أن هذه الحركة غير قابلة للفهم إلا من خلال الحدس الذي يتعرف إلى هذه القضايا بشكل سريع دون الحاجة للمرور عبر مراحل كما يفعل العقل[6].
4 - طبيعة المعرفة
أ ـ المثالية
ذهب أفلاطون قديما إلى القول بأن طبيعة المعرفة مثالية، ويعني بذلك أن معارف الإنسان تنتمي لعالم آخر كان يتواجد فيه الإنسان وهو عالم المثل وحينها كان يحيط بكل المعارف، بل كان إنسانا كاملا، لكن عندما غادر هذا العالم نسي تلك المعارف. ولتحصيلها مرة أخرى هو في حاجة لمن يذكره ، إلا أن عملية التذكير تتطلب مهارة معينة لدي المعلمين وقد برع فيها سقراط .
ب ـ الواقعية
ثم جاء أرسطو وأكد أن العقل لا يحتوى على كل المعارف ، وإنما على مبادئ فقط تعرف بمبادئ العقل وهي مبدأ الهوية، ومبدأ عدم التناقض، ومبدأ الثالث المرفوع. وعن طريق هذه المبادئ يمكنه تحصيل ما يشاء من المعارف من عالمه المحسوس، وعلى هذا النهج سارت الفلسفة التجريبية الانجليزية .
ثانيا : مبحث الوجود
1 - تعريف الوجود
الوجود مقابل العدم ويعني كون الشيء حاصلا في الواقع إما حصولا فعليا فيكون موضوع إدراك حسي، أو حصولا تصوريا فيكون موضوع استدلال عقلي. إي انه ينقسم إلى وجود خارجي ووجود ذهني، فالوجود الخارجي عبارة عن كون الشيء في الأعيان، وهو الوجود المادي. والوجود الذهني عبارة عن كون الشيء في الأذهان وهو الوجود العقلي التصوري[7] . وخلافا للمثاليين فإن الواقعيين يسلمون بأن ظواهر العالم الخارجي لها وجود مستقل عن الذات وما المعرفة إلا انعكاس للعالم الخارجي في أذهاننا، وعلم الوجود أو الانطولوجيا هو قسم من الفلسفة يبحث في الموجود في ذاته مستقلا عن ظواهره كما يبحث في العلاقة بين الوجود والماهية وأصل الوجود وطبيعته ومصيره .
2 - مذاهب فلسفة الوجود
أ ـ المذهب الواحدي
هو المذهب القائل بمبدأ واحد في الوجود ، أو بجوهر واحد وان تعددت أفراده سواء كان الجوهر مادة أو روح[8] . والواحدية عند القدماء تعني عدم انقسام الواجب لذاته إي الخالق إلى الجزئيات. وعند المحدثين هي مذهب فلسفي يرد جميع الأشياء إلى مبدأ واحد . مثلا الكون كله عند البعض يعود إلى المادة فقط، فالمذهب الواحدي هو مذهب كل من يصرح بأن الظواهر آو الأفكار تعود لنوع واحد من التفسير.[9] ويتفرع عن هذا المذهب ثلاثة اتجاهات وهي : الواحدية المادية Monisme matérialiste وترد الوجود إلى المادة وحدها ونجد هذا التوجه لدى فلاسفة الطبيعة الأوائل الذين يردون العالم إلى أصل مادي واحد قد يكون الماء أو الهواء أو النار أو غير ذلك من العناصر المادية . والواحدية الروحية Monisme spiritualiste وترد الوجود إلى الروح، وابرز من يمثل هذا التوجه في العصر الحديث هو باروخ سبينوزا وفريدريك هيجل ، هذا الأخير يعتقد أن العالم كله هو تجسد للروح التي تمكُر بالإنسان، وتجعله يعتقد انه يقوم بأفعاله عن إرادة واختيار، ولكن في واقع الأمر هو ينفذ تخطيطا مسبقا لم يشارك في وضعه . ويرى البعض أن الواحدية إما أن تكون مادية محضة، آو روحية محضة، وابرز القائلين بالواحدية في العصر اليوناني هو برمنيدس وابرزهم في العصر الحديث اسبينوزا[10]. وبالتالي لا مجال للحديث عن الواحدية المحايدة.
ب ـ المذهب الثنائي
الثنائية هي كون الطبيعة تتألف من وحدتين ، وأن الشيئ الواحد يكون مشتملا في نفس الوقت على حدين متقابلين ، كتقابل الفكر والعمل، والعقل والتجربة ، والخيال والحقيقة [11]. وهو مذهب ينتشر أكثر في الثقافة الشرقية ففي الصين نجد الصراع ابدي بين الين واليانج أو النور والظلام وكذلك في الثقافة الفارسية القديمة التي تجعل العالم خاضع لقوتين متصارعتين على الدوام .
ج ـ مذهب الكثرة
الكثرة ضد الوحدة واللفظان متقابلان ومتضايفان، لأنك لا تفهم احدهما دون نسبته إلى الأخر، بدليل قولك إن الشيء الكثير يقبل الانقسام إلى وحدات مختلفة. ، فالكثرة هي صفة الشيء المركب من وحدات مختلفة، فإن كانت قابلة للإحصاء كانت متناهية، وان كانت غير قابلة للإحصاء كانت غير متناهية. ومذهب الكثرة هو القول أن العالم لا يصدر عن علة واحدة ولا علتين، وإنما مصدره جملة من العلل. وهو تصور نجده عند ديمقريطس الذي وجد أن العالم يتألف من ذرات كثيرة تنفصل وتتحد، وليس مجرد أعراض آو ظواهر لحقيقة واحدة مطلقة كما يقول المذهب الواحدي ، وإنما هي جواهر شخصية كثيرة مشتقة بعضها عن بعض، ولكل منها صفات خاصة[12]. وينقسم هذا المذهب إلى قسمين فنجد الكثرة المادية كما المحنا سابقا عد ديقريطس ، والكثرة الروحية كما هي عند ليبنتز في كلامه عن المونادات وهي أجزاء صغيرة ذات طبيعة روحية تؤلف العالم .
ثالثا : مبحث القيم
قيمة الشيء قدره، وهي مرادفة للثمن، وقيمة الشيء من الناحية الذاتية، هي الصفة التي تجعل ذلك الشيء مطلوبا أو مرغوبا فيه عند غيره . والقيم هي عناصر غير القابلة للتكميم، إي لا يمكن وزنها أو قياسها وهي ثلاثة قيم أساسية الحق والخير والجمال ولكل عنصر من هذه العناصر يوجد علم يدرسه.
1 ـ مباحث فلسفة القيم
أ ـ علم المنطق
هو جهاز من القوانين التي تمنع العقل من الوقوع في الخطأ، وهي قوانين مؤسسة على مبادئ العقل بحيث تترتب النتيجة فيه من خلال وجو مقدمتين . وقد وضعه الفيلسوف اليوناني أرسطو، و يعرف عنده بالمنطق الصوري، لأنه كان يراعي اتفاق الفكر مع نفسه فقط بصرف النظر عن اتفاقه مع الواقع الحسي أو اختلافه. وبه نميز بين الحق والباطل.
ب ـ علم الأخلاق
الأخلاق جمع خلق وهو السجية والطبع ، وعند القدماء الخلق أو الطبع هو ما يصدر عن النفس من غير روية وفكر وتكلف. وعليه فإن صفات النفس غير المستقرة أو غير الراسخة مثل غضب الحكيم لا تندرج ضمن الأخلاق. وعلم الأخلاق هو العلم الذي يعرفنا بالفضائل وكيفية الحصول عليها ، والرذائل لتجنبها، ويحاول التمييز بين الخير والشر على الرغم من الاختلاف الموجد بين الشعوب في هذه المسائل.
ج ـ علم الجمال
الجمال صفة تلحظ في الأشياء وتبعث في النفس السرور، والعلم الذي يبحث في شروط الجمال ومقاييسه ونظرياته هو علم الجمال[13]. وتساءل فلاسفة الجمال حول إمكانية وجود معايير موضوعية للحكم الجمالي. فكان من يرى بان معايير الجمال موضوعية بدليل اتفاق الناس على رغم اختلاف الثقافة والأزمنة والأمكنة في تقييمهم لأشهر الأعمال الفنية مثل الموناليزا. لكن الاتفاق وإن وجد فإنه محدود ، ويتعلق بأشهر الأعمال فقط ، أما ما دون ذلك فالاختلاف في تقييم الأعمال الفنية لا يمكن إنكاره . لهذا وجد البعض أن معايير الجمال ذاتية . وحاول كروتشه إبعاد علم الجمال عن هذا الجدل، بالتأكيد على أن الجمال لا يخضع للمعايير التي يخضع لها العلم ، ولا يخضع أيضا لقواعد الأخلاق ، فهو نشاط رائده الحدس البعيد عن القدرات النفسية التي يستعملها العلماء في الأنشطة الأخرى ذات الطابع العلمي والعملي. محاولا تخفيف التوتر بين الموضوعي والذاتي في الفن عندما ربطت هذا الأخير بالحدس[14].
2 - طبيعة القيم :
قيم الخير والشر، والجمال والقبح، ليس من السهل وضع قواعد مطلقة وكلية تكون هي المقياس الذي يعتمد عليه الإنسان في كل مكان وزمان للتمييز بينها، وهذا بسبب اختلاف الثقافات والعادات والأديان. لكن هذا لا يعني أن يترك موضوع القيم بدون ضوابط خاصة ما تعلق بقيمتي الحق والباطل .
خاتمة
في الختام، تظل مباحث الفلسفة ركنًا أساسيًا لفهم طبيعة الحياة والوجود، إذ تساعدنا على التعمق في الأسئلة الكبرى التي تواجهنا كبشر. ورغم تعاقب الأزمان وتغير السياقات، يبقى للفلسفة دورٌ محوري في توجيه أفكارنا وتوسيع مداركنا، سواء في مجال المعرفة أو الأخلاق أو الوجود. إنها ليست مجرد دراسة للأفكار المجردة، بل وسيلة تمكننا من فهم أنفسنا والعالم من حولنا بشكل أعمق. لذا، سيبقى الفكر الفلسفي حاضرًا في كل جيل، يثير التساؤلات ويدفع الإنسانية نحو مزيد من الاستكشاف والتأمل.
المراجع
[1] ـ جميل صليبا : المعجم الفلسفي ، مرجع سابق ص 33 ج 1 .
[2] ـ المرجع نفسه، ص 555 ج 2 .
[3] ـ المرجع نفسه، ص 705 ج1
[4] ـ يوسف كرم: تاريخ الفلسفة اليونانية . مرجع سابق ، ص 311 ج 1
[5] ـ يوسف كرم : تاريخ الفلسفة الحديثة ، ص 418
[6] ـ بوشنسكي : الفلسفة المعاصرة في اوروبا ، مرجع سابق ، ص 145
[7] ـ جميل صليبا: المعجم الفلسفي ، ج 2 ، ص 558 .
[8] ـ عبد الرحمن بدوي: الموسوعة الفلسفية ، ج 2 ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط 1 ، 1984 ، ص 623 .
[9] ـ جميل صليبا: المعجم الفلسفي ، ج 2 ، ص 548.
[10] ـ عبد الرحمن بدوي : الموسوعة الفلسفية ،ج 2 ، ص 623.
[11] ـ جميل صليبا : المعجم الفلسفي ، ج 1 ، ص 381
[12] ـ المرجع السابق ، ج 2 ، ص 224 .
[13] ـ المرجع السابق ، ج 1 ، ص 408
[14]ـ بندتو كروتشه: فلسفة الفن، ترجمة سامي الدروبي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط 1، 2009 ، ص 29.
d Arabic"'>[9] ـ فليب فرانك : فلسفة العلم ، الصلة بين العالم والفلسفة، ترجمة علي علي ناصيف، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط 1، 1983، ص 7 ـ 8.
[10] ـ راجع : ستيفن هوكينج : تاريخ موجز للزمن، ترجمة مصطفى ابراهيم فهمي ، الهيئة المصرية الامة للكتاب ، د ط، 2006، ص 15 .