الفلسفة الحديثة مذاهب وتيارات.pdf
الفلسفة الحديثة تشمل مجموعة واسعة من المذاهب والتيارات التي تطورت منذ عصر النهضة حتى الوقت الحالي. هذه الفلسفات تتنوع بشكل كبير من حيث الموضوعات والأساليب والمناهج. إليك لمحة عن بعض المذاهب والتيارات الفلسفية الرئيسية في الفلسفة الحديثة:
1. التجريبية: تركز على أن المعرفة تأتي من التجربة الحسية. من أبرز فلاسفتها جون لوك وديفيد هيوم. التجريبية تدعو إلى أن جميع الأفكار تنشأ من التجربة، وتشكك في المفاهيم الفطرية.
2. العقلانية: تؤكد أن العقل هو المصدر الأساسي للمعرفة. ديكارت وسبينوزا وليبنيز من أبرز ممثلي هذه المدرسة. العقلانية تضع أهمية كبيرة على التفكير المنطقي والاستدلال.
3. الفلسفة النقدية: كانط يمثل هذا الاتجاه الذي يحاول التوفيق بين التجريبية والعقلانية، مؤكداً على أن العقل يبني تجربتنا من خلال الأطر والهيكليات الفطرية.
4. المثالية الألمانية: بدأت مع كانط وتطورت مع فيخته، شيلنغ، وهيجل. تركز هذه المدرسة على أن الواقع يتشكل من الأفكار والوعي، وأنه لا يمكن فهم العالم الخارجي إلا من خلال الذات.
5. المادية: تركز على أن الواقع هو مادي بحت، وكل الظواهر يمكن تفسيرها من خلال العمليات الفيزيائية والكيميائية. ماركس وأنجلز طورا الفلسفة المادية إلى المادية التاريخية والمادية الجدلية.
6. الوجودية: تركز على حرية الفرد ومسؤوليته وقلقه الوجودي. سارتر وكيركغارد وهايدغر من أهم فلاسفة هذا التيار. الوجودية تبحث في معنى الحياة والوجود الإنساني في عالم بلا معنى جوهري.
7. الفينومينولوجيا: تأسست على يد إدموند هوسرل وتهدف إلى دراسة الظواهر كما تظهر في الوعي. تهدف إلى وصف التجارب الذاتية بشكل دقيق وغير متحيز.
8. البراغماتية: تركز على أن الحقيقة هي ما يعمل بشكل ناجح وأن الأفكار يجب أن تقيم بناءً على نتائجها العملية. من أبرز روادها وليام جيمس وجون ديوي.
9. البنيوية وما بعد البنيوية: البنيوية تهدف إلى فهم الأنظمة المعرفية واللغوية والثقافية من خلال البنية الأساسية. ما بعد البنيوية، كما عند دريدا وفوكو، تنتقد البنيوية وتؤكد على عدم استقرار المعاني والسياقات.
10. ما بعد الحداثة: ترفض الفلسفات الشمولية والسرديات الكبرى، وتؤكد على التعددية، والتفكيك، والنسبية. من أبرز فلاسفتها جان فرانسوا ليوتار وجاك دريدا.
هذه بعض التيارات والمذاهب الرئيسية في الفلسفة الحديثة، وكل منها يساهم في فهمنا للعالم من زوايا مختلفة.
الفلسفة الحديثة مذاهب وتيارات.pdf |
تمهيد:
إذا كانت الفلسفة في أحد معانيها، تعني البحث في المبادئ الأولى والكلّية، وتفسير المعرفة والوجود والقيم تفسيرًا عَقْليًّا، البحث في تاريخ الفلسفة لا ينفصل عن الفلسفة ذاتها، ذلك تاريخ الفلسفة هو تاريخ نشوء الأفكار الفلسفية وتطورها
ضمن سياقاتها الاجتماعية، وهو تاريخ السؤال الفلسفي الذي لا يتوقف، ولا توجد له إجابة قاطعة ونهائية، وربما يكمن في هذا أساس الاختلاف بين تاريخ الفلسفة وبين تاريخ العلوم الطبيعية على سبيل المثال، حيث أن تاريخ العلوم الطبيعية هو تاريخ أخطاء تلك العلوم، ولا يقدّم إضافة نوعية لمحتواها ونظرياتها، في حين أن تاريخ الفلسفة هو الفلسفة في د طبيعتها التي تقدم وجهات نظر بعدد المشتغلين بها، وهي وجهات نظر عرضة للحوار والجدل الدائمين.
وفي تاريخ الفلسفة ثمة ما يشبه الاتفاق بين مؤرخيها على تقسيم ذلك التاريخ إلى حقب كبرى، وهو تقسيم فني لا د يعني القطع ما بين حقبة وأخرى، حيث يُؤرّخ للحقبة الأولى بالفلسفة الإغريقية أو الفلسفة القديمة الممتدة من القرن السادس قبل الميلاد وحتى القرن الرابع للميلاد، وفيها بـرز الاهتمام بفلسفة الطبيعة، ولمعت أسماء كبار الفلاسفة ما
قبل سقراط كطاليس، وفيثاغوروس، وهرقليطس، وبار مينيدس، وأنا كساغوراس، وبروتاغوراس، وزينون، وديمو قريطس وغيرهم، وفلاسفة ما بعد سقراط كأفلاطون، وأرسطو، وأفلوطين، وأبيقور، وهيباتيا وغيرهم.
ويُؤرّخ للحقبة الثانية بفلسفة العصور الوسطى أو الفلسفة الوسيطة التي استمرت من القرن الخامس الميلادي وحتى القرن السادس عشر تقريباً، وفيها برز الاهتمام بفلسفة ما وراء الطبيعة واللاهوت كما برزت فيها الفلسفة العربية الإسلامية، ولمعت فيها أسماء فلاسفة العصور الوسطى اللاهوتيين كالقديس أوغسطين، والقديس أنسلم، وتوما الأكويني، وأسماء فلاسفة الفلسفة العربية الإسلامية كالكندي والفارابي، وابن سينا، وابن رشد، وابن طفیل وابن باجة، وصدر الدين الشيرازي وابن ملكا البغدادي وابن الخطيب وإخوان الصفا، والفيلسوف العربي اليهودي موسى بن ميمون، وغيرهم.
كما يُؤرّخ للحقبة الثالثة بالفلسفة الحديثة التي استمرت من القرن السابع عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر تقريبا، حيث ابتدأت - من ناحية التقسيم الفني - مع الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، وانتهت - من ناحية التقسيم الفني 9/176 مع الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه، وفيهـا بـرز م بالإنسان، ولمعت فيها أسماء الفلاسفة الذين سيتم عرض مذاهبهم الفلسفية في هذا الكتاب.
أما الحقبة الرابعة فيُؤرّخ لها بالفلسفة المعاصرة التي بدأت مطلع القرن العشرين، ولا زالت مستمرة، ويعتبرها بعض مؤرخي الفلسفة امتداداً طبيعياً للفلسفة الحديثة، وليست حقبة كبرى بحد ذاتها، فهي والفلسفة الحديثة حقبة كبرى واحدة هي حقبة الفلسفة الحديثة والمعاصرة، حيث لا يزال الإنسان وقضاياه محوراً رئيساً في هذه الحقبة، وفيها ظهرت مذاهب وتيارات فلسفية جديدة، كالظاهراتية " الفينومينولوجي ، والتحليلي والتأويلي"الهيرومنيوطيقية"، والوضعية المنطقية والبراجماتية، والوجودية، وفلسفة العلم والبنيوية، والتفكيكية، والماركسية الجديدة وغيرها، ولمعت فيها أسماء كثيرة، مثل هوسرل، وهيدجر، وجادامير ، وجورج مور، وبرتراند راسل، وجو تلوب فريجه، وكـارنـاب، وهنري برغسون، وتشارلز بيرس، وويليام جيمس، وجون ديوي، وريتشارد رورتي، وسارتر، وميرلوبونتي، وفتجنشتاين، وماكس هوركهايمر، وثيودور أدورنو، وهربرت مارکوزه، وجورج لوكاتش، وهابرماس، والتوسير، وإريــك فــروم، وأدغـــار مـــوران، وإرنست كاسيرر، وبول ريكور، وبول فيرابند، وجيل دولوز، وحنة أرندت، ورولان بارت، وغاستون باشلار، وكارل بوبر، وميشيل فوكو، وجاك دريدا، وغيرهم الكثير.
الفلسفة الحديثة
نشأة الفلسفة وتطورها، بشكل عام مرتبطة بجملة السياقات الاجتماعية التي نشأت فيها، فالفلسفة هي عصرها ملخصا في الفكر كما يقول هيجل، ويومة منيرفا (إلهة العقل والحكمة والفنون عند الرومان) لا تبدأ بالطيران إلا بعد أن يرخي الليل سدوله كما يقول هيجل أيضا، فالفلسفة تأتي متأخرة بعد أن تكون الحياة قد دبت بين الناس بالفعل، وقامت ألوان مختلفة من النظم تتوجها الفلسفة في النهاية كما أشار الدكتور إمام عبد الفتاح إمام في تعليقه على عبارة هيجل الأخيرة.
↔
وما ينسحب على الفلسفة بشكل عام، ينسحب على الفلسفة الحديثة، فهي وليدة جملة من المتغيرات الهامة في أوروبا والعالم، وفي مقدمتها الثورة العلمية الكبرى التي قادها كوبرنيكوس وكبلر وجاليليو باكتشافهم النظام الشمسي وحقيقة دوران الأرض والكواكب حول الشمس، وهي الثورة التي هدمت نظام بطليموس الفلكي السائد وقتها حول ثبات الأرض ومركزيتها الكونية، ودوران الشمس والكواكب في فلكها، بالإضافة إلى تأثير عصر النهضة الأوروبية التي بدأت في إيطاليا مطلع القرن الخامس عشر، وهي النهضة التي تم فيها نقل التراثين اليوناني والعربي الإسلامي إلى أوروبا، وترجمة الأعمال الأدبية الكلاسيكية والأعمال الفلسفية العربية إلى اللغة اللاتينية، وحركة الإصلاح الديني، واستيلاء الأوربيين على كنوز التراث العربي الإسلامي بعد سقوط الأندلس وغيرها من العوامل والظروف.
وأهمية الفلسفة الحديثة مرتبطة بأهمية تلك المتغيرات في حياة البشرية كلها، وهي أهمية متجددة، حيث ورثت الفلسفة الحديثة ما قبلها من فلسفات قديمة ووسيطة، وأسست لما بعدها من فلسفات معاصرة، وحيث لا تزال القضايا التي طرحتها الفلسفة الحديثة فاعلة في اشتغالات الفلسفات المعاصرة على اختلاف مذاهبها، وتعدد تياراتها.
وفي هذا الكتاب سيتم تناول مذاهب الفلسفة الحديثة وتياراتها، على أساس تصنيف فني يجمع ما بين الترتيب الموضوعي والترتيب الزمني، حيث تم تقسيم تيارات الفلسفة الحديثة إلى أربعة تيارات رئيسة هي: تيار الفلسفة التجريبية أو الحسية، وتيار الفلسفة العقلانية، وتيار الفلسفة المثالية، وتيار الفلسفة المادية، بالإضافة إلى مجموعة خامسة تضم المذاهب الفلسفية المتفردة، مع التأكيد أن هذه المقاربة التصنيفية المقترحة لأسباب فنية لا تعني تقابل بعض التيارات وتماثلها، كما لا تعنى تعارضها أو تناقضها، فالتيار العقلاني ليس رديفا للتيار المثالي، والتيار التجريبي ليس رديفاً للتيار المادي، كما أن التيار العقلاني ليس نقيضاً اللتيار المادي، والتيار المثالي ليس نقيضا للتيار التجريبي بالضرورة، حيث قد نجد فيلسوفاً مثالياً تجريبيا، أو ماديا عقلانياً، وحيث يكاد كل فيلسوف أن يكون تياراً فلسفياً فريداً بحد ذاته.