فلسفة العقل لـ إدوارد فيسر.pdf
"فلسفة العقل" هو كتاب من تأليف إدوارد فيسر يتناول فيه قضايا معاصرة في فلسفة العقل. يقدم الكتاب تحليلاً دقيقاً وشاملاً لموضوعات مثل الوعي، الهوية الشخصية، والعلاقة بين العقل والجسد. يعتمد فيسر على نهج فلسفي تقليدي ويتعامل مع العديد من الجدالات الحديثة في هذا المجال.
فلسفة العقل لـ إدوارد فيسر. |
مقدمة
هل يستطيع العلم تفسير الوعي؟ هل العقل ما هو إلا دماغ فقط؟ هل لديك روح غير مادية وخالدة يتعذر على العلم معرفة ماهيتها لكن يمكن كشف النقاب عنها عن طريق البحث الميتافيزيقي فحسب؟ هل هناك فرق مطلق وجوهري بين الإنسان والآلة؟ هل تستطيع أجهزة الكمبيوتر التفكير؟ هل من الممكن أن يكون هناك إنسان آلي واع؟ هذه بعض التساؤلات التي سنتناولها بالتحليل بين صفحات هذا الكتاب. وهذه الموضوعات مجرد أمثلة للموضوعات الرئيسية في فلسفة العقل، وهي المجال المعرفي الذي أصبح في السنوات الأخيرة الأكثر رحما ونشاطا من بين المجالات الفرعية الأخرى في الفلسفة.
من الصعب الحديث عن أي شيء في الفلسفة دون الحديث عن كل شيء. فالخجج والقضايا الفلسفية عميقة ومعقدة للغاية، لدرجة أنك عندما تبدأ في دراسة أي منها تجد بعد فترة قصيرة أنه من المستحيل تقريبا الوصول لنتيجة نهائية دون فحص ودراسة حجج فلسفية أخرى. وربما يكون هذا الوضع أكثر واقعية في فلسفة العقل عنه في فروع الفلسفة الأخرى. فالبحث في أغوار طبيعة العقل وعلاقته بالجسد يعني البدء في بحث يقودك مباشرة لأسئلة عامة في الميتافيزيقا ( علم ما وراء الطبيعة) والإيستومولوجيا (علم المعرفة)، وفي النهاية قد تصل إلى موضوعات أخرى تتعلق بفلسفة اللغة وفلسفة العلم وفلسفة الدين. وكما سيكتشف القارئ، ستكون طبيعة العقل وعلاقته بالجسد أحد الموضوعات التي سيتناولها الكتاب.
قد يهمك أيضا: تحميل كتاب العقل _ جون سيرل.pdf
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أي مدخل إلى فلسفة العقل لا يعدو كونه مدخلاً إلى الفلسفة بصفة عامة، ويعد هذا الكتاب في حد ذاته مدخلاً إلى فلسفة العقل: فليس هناك حاجة لمعرفة مسبقة بالموضوع لفهم محتوى الكتاب واستيعابه. فعلى الرغم من أنني سأتطرق في بعض الأحيان إلى موضوعات متخصصة فإن ذلك سيتم في أضيق الحدود، وستعرض تلك الموضوعات على القارئ بشكل مبسط قدر المستطاع.
سيلقي الكتاب الضوء على موضوع آخر، وهو ترابط المناهج غير الميتافيزيقية وقوتها في فلسفة العقل. فمما لا شك فيه أن المذهب المادي قد أصبح التوجه السائد اليوم في مجال فلسفة العقل، وهو الذي يرى أن العقل يمكن تفسيره بالكامل من خلال العمليات المادية البحتة التي تخضع للبحث والدراسة من قبل العلوم الطبيعية. غير أنني أود الإشارة هنا إلى أن ذلك التقدم الذي حققه المذهب المادي هو تقدم حديث للغاية. فحتى الستينيات من القرن العشرين لم يكن المذهب المادي سوى وجهة نظر الأقلية من الفلاسفة المهتمين بطبيعة العقل، وحتى من الفلاسفة الذين استوعبوا العلم الحديث وأشادوا به، مثل "سي. دي. برود" و"كارل بوبر" و"برتراند راسل"، والذين كانوا لا يعتنقون أي دين أو كانوا حتى ضد الدين. وبينما توجد حجج فلسفية مهمة ومحفزة لصالح الفكر المادي، هناك أيضا حجج بالقدر نفسه من الأهمية والتحفيز ضد ذلك المذهب. وفي حقيقة الأمر، لقد وجد أغلب الفلاسفة على مدار معظم تاريخ الفلسفة أن تلك الحجاج المضادة هي الأكثر إمناغا. فمن الممكن بالطبع اكتشاف أن وجهة النظر السائدة عبر التاريخ في موضوع معين ما هي إلا وجهة نظر خاطئة، وأن المنهج المقبول حديثا هو المنهج الصحيح على الجانب الآخر، من الممكن أيضًا أن تكون وجهة النظر التي كانت سائدة عبر التاريخ صحيحة، غير أن الفلاسفة المعاصرين قد ارتكبوا خطاً بحيادهم عنها. إذن لا تتعلق الفلسفة بالاعتقاد فيما هو سائد، وإنما تتعلق باكتشاف ما هو صحيح لهذا، إذا كان المرء يرغب في فهم فلسفة العقل على نحو صحيح، فعليه أن يتعرف على الحجج الرئيسية المضادة للمذهب المادي، مثلما يتعرف على الحجج المؤيدة لذلك المذهب. وبناء على ذلك، يهدف هذا الكتاب إلى تقديم عرض دقيق لكل من الحجج التقليدية المضادة للمذهب المادي والحجج المعاصرة المؤيدة له. ومن الأهمية بمكان التنويه إلى أن منتقدي المذهب المادي يشكلون في الوقت الحالي صوتا مؤثرًا داخل المجال الفلسفي برغم كونهم من الأقلية. وقد حان الوقت ليتم طرح الموضوعات المتعلقة بفلسفة العقل بطريقة تعكس تلك الحقيقة وتتجنب الانحياز المفرط لذلك المذهب، وهو الانحياز الذي صار شائعًا في الكتب الفلسفية التمهيدية. وقد حاولت أن أكون محايذا قدر الإمكان في هذا الكتاب وأتمنى أن يلمس القارئ ذلك.
من الصعب أن يكتب المرء مدخلاً إلى فلسفة العقل دون أن يقوم بتدريس ذلك الموضوع وشرحه للطلاب أولاً. فأفضل طريقة لاكتشاف كيفية جعل الأفكار المعقدة واضحة قدر الإمكان أن تقوم بتجربة مناهج مختلفة ثم تعرضها على الطلاب لتعرف أيها المحقق للنتائج المرجوة. لذلك، أريد أن أتوجه بالشكر للعديد من الطلاب الذين قد درست لهم ذلك الموضوع لأعوام بجامعة لويولا ماريماونت على تشجيعهم لي، والذين تلقوا عينة مبكرة من المادة الواردة في هذا الكتاب أثناء محاضراتي، وأقدم جزيل الشكر والامتنان إلى أسرتي وإلى كل من ساعدني في إعداد هذا الكتاب وإخراجه للنور.