علم النفس المعرفي دراسات و بحوث - الدكتور فتحي مصطفى الزيات الجزء الأول PDF
علم النفس المعرفي دراسات و بحوث - الدكتور فتحي مصطفى الزيات الجزء الأول. |
مقدمة
عکست دراسات وبحوث العلم المعرفي Cognitive Science تطورا بالغ الاطراد خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، وكانت أبرز هذه الدراسات والبحوث وأكثرها تناميا دراسات وبحوث علم النفس المعرفي التي تداعت أصداؤها وتنامت تطبيقاتها فى مختلف فروع منظومة العلوم التربوية والنفسية، بما تشمله من أسس التربية، والمناهج وأساليب التدريس، ونظريـــــــات التعلم ، والصحة النفسية والعقلية والتربية الخاصة، والفروق الفردية وغيرها.
وكان السؤال الهام الذي فرض نفسه على رؤى وتوجهات علماء علم النفس المعرفي هو هل يمكن النظر إلى نظم تجهيز ومعالجة المعلومات لدى الإنسان باعتبارها تجمع أو مجموعة من التراكيب أو الأبنية Collection of structures التي تشكل منظومة مكونات النشاط العقلى المعرفي Hardware أم باعتبارها سلسلة من العمليات والبرامج والخطط والتوليفات والاشتقاقات Software التي تتوقف على المدخلات من حيث طبيعتها ومستواها ومحتواها من ناحية، وأساليب تمثيل وتجهيز ومعالجة هذه المدخلات من ناحية أخرى؟".
والواقع أن الإجابة على هذين السؤالين تبدو بسيطة نظرياً، حيث لا يمكن فصل التراكيب أو الأبنية التي تشكل أطر أو مكونات النشاط العقلى المعرفي عن محتوى هذه الأبنية، بما ينطوي عليه هذا المحتوى من تنظيم وترابط وتمايز وتكامل واتساق وكم، كخصائص أو أبعاد تشكل الطبيعة الكيفية لبنية النشاط العقلي المعرفي، لكنها بالغة التعقيد من الناحيتين البحثية والمنهجية.
وقد اهتمت معظم دراسات وبحوث علم النفس المعرفي بالإجابة على هذين السؤالين من الناحيتين النظرية والتطبيقية، وقد أفرز اطراد الاهتمام بهذين المحورين تطبيقات بحثية عديدة، كان لها بالغ الأثر فى إحداث تحولات مدهشة في مختلف صيغ نماذج ونظريات التعلم والتعليم، والمناهج وطرق التدريس.
وفضلا عن سعى علماء علم النفس المعرفي لفهم ماهية الصيغة أو البنية أو الشكل أو التكوين (what is the form or structure) التي تقف خلف تفعيل الكفاءة المعرفية لنواتج لنشاط العقلي المعرفي من حيث مدخلاتها وعملياتها، فإنهم يتطلعون أيضا إلى محاولة تفسير كيف How يتم تمثيل ومعالجتها، أي العمليات Processes التي تقف خلف هذا التمثيل ومعالجته وديمومة الاحتفاظ بالمعلومات وتفعيل نواتجها من اشتقاقات وتوليفات ومرونة معرفية.
وما هي العمليات التي من خلالها ننتقى ونتحكم في هذا الزخم المتنامي مـــن المعلومات والمواد المدركة والمدخلات الخام التي تتاح لنا عبر أعضاء الحس لدينا؟ وكيف نحتفظ ونشتق علاقات بين مضامين هذه المدخلات والمعلومات الماثلة في بنائنا المعرفي، أو في مصادرنا المعرفية وعبر ذاكراتنا و عملياتها وتفكيرنا وعملياته؟ ثم كيف يتم توظيف هذه المدخلات معرفيا على نحو فعال؟
وقد حاولنا أن نجيب على هذه الأسئلة وغيرها من خلال بحوثنا الإمبيريقية الميدانية وتوجهاتنا النظرية والبحثية التي يزخر بها هذين المجلدين.