المجتمع الشبكي دارن بارني |
مقدمة:
قلة من العث هي التي تقترب أشد الاقتراب من اللهب، أو تلتقط روح
عصرها بدقة، مثلما فعل فيبر. ومع ذلك، كانت هناك محاولات وتمثل واحد
من أكثر الجهود جدية وطموحا لوضع تصور لروح الحقبة المعاصرة في ما
تم تجميعه في عبارة «المجتمع الشبكي»، باعتبارها أطروحة تؤكد بعبارات
بسيطة أن روح عصرنا هي روح الشبكة؛ إذ إن المبادئ التأسيسية للشبكات
أصبحت قوة محركة للحياة الفردية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهذا
ما يميز فترتنا تاريخيا.
وقارب مانويل كاستلز، عالم الاجتماع الكاتالوني (الذي
مثلت مجلداته الثلاثة في دراسة الاقتصاد والمجتمع والثقافة في عصر
والعمليات
الوجه
العمل
ومتداخلة
بعدد
المعلومات لحظة فريدة في صوغ هذه الأطروحة) (3) ، هذه المسألة على
النحو التالي: «ثمة نزعة تاريخية تنتظم بمقتضاها الوظائف
الأساسية حول الشبكات على نحو متزايد. وتكون هذه الشبكات
الاجتماعي لمجتمعاتنا، ويعمل انتشار منطق التشبيك على تعديل
و شماره تعديلا جوهريا في نواحي الإنتاج والتجربة والقوة والثقافة» (4) .
أما المقصود بـ «الشبكة» فحالة الترابط البنيوي بين نقاط متباينة (يطلق
عليها عادة اسم عقد) متصلة إجمالًا بوساطة روابط متعددة
ومتكررة. وبهذا المعنى لا يمكن الحديث عن الشبكة إلا إذا كنا أمام كم
هائل من العقد (أكانت أشخاصا أم شركات أم حواسيب) المتصلة
كبير من العقد الأخرى، ويجري تأمين هذا الاتصال عبر كثير من الروابط
التي تتقاطع مع روابط العقد الأخرى.
وتم توليد الكثير من المصطلحات
لوصف هذا النوع من العلاقات وسماتها، استنادا إلى قاعدة التوليد
بالاستعارة (في الواقع تم توليد مصطلح «شبكة» ذاته من طريق الاستعارة).
ومن بين تلك المصطلحات نجد «الشبيكة» (Lattice) و«الويب» و«المصفوفة»
(Matrix) التي كان الغرض من توليدها التشديد على منطق
اللامركزي والمتشعب الذي يعكس جوهر الشبكة، ومثل توليد كلمة
في اللغة الإنكليزية اختيارا موفقا نظرا إلى ما تنطوي عليه هذه
من دلالات دقيقة تعكس التصور الذي تحمله أطروحة المجتمع الشبكي.
ذلك أن كلمة Matrix مستمدة من الأصل اللاتيني mater الذي يعني
«الأم» أو «الرحم». ويمكن هنا أن نستنتج أن سبب هذه التسمية هو
المقارنة التي عقدت بين الشبكة والرحم، فالشبكات هي بمنزلة أرحام تهبنا
ضربا جديدا من المجتمعات، هي مجتمعات تنتظم فيها الهوية والسياسة
والاقتصاد وتعمل في شكل شبكات، وهذه هي تحديدا النقطة المحورية في
مفهوم المجتمع الشبكي.
وما يسعى إليه هذا الكتاب هو إجراء بحث
معمق في ماهية هذا المفهوم بمختلف أبعاده.
سنخصص لاحقا في هذا الفصل قسما لتحليل معمق لطبيعة الشكل
الشبكي، ولعرض العناصر الرئيسة لأطروحة المجتمع الشبكي، فضلًا عن عرض
موجز للكيفية التي تتفرع بها تلك العناصر في الهوية والاقتصاد والسياسة
وذلك في إطار مقاربة شمولية للمجتمع المعاصر. لكني أعتقد أنه سيكون
من المفيد، قبل ذلك، تحديد موقع أطروحة المجتمع الشبكي في
بعدد من المقاربات والنظريات التي برزت على الساحة في العقود الأخيرة