تبدو الحياة بتفاصيلها المختلفة وكأنها لغز صعب التفسير ، لكن لغز الالغاز بيقى متمركزاً في الدماغ البشري اذ يبقى مركز الصعوبات على مختلف انواعها . كيف تتكون المعرفة فمن خلاياه وتركيباته ؟ كيف تبنى المفاهيم والادراكات ؟ كيف يتكون الذكاء عند الطفل ؟ كيف يعي ويدرك ويفكر ويتذكر ويقدر ويتصرف ويختزن المعلومات العديدة المتراكمة عبر الايام ؟ ... ... تلك أمور مهمة حاول مفكرنا العظيم جان بياجه ان يضع اجابات عليها . فهل وفق في ذلك ام ضاع في متاهات العقل البشري ؟ صحيح أنه وفق في ادراك بعض الضامين واتبع اسلوباً تجريبياً علمياً ووضع بعض أسس التوازن النفسي والتلاؤم وغيرها .
لكن العلماء يعتقدون انهم كلها تعمقوا في كشف ألغاز الفكر البشري وعقله وتكوين المفاهيم ، كلما ازدادت حيرتهم وتشعبت المتاهات اسامهم . اما الفكر العلمي الحديث ، فانه يرى ان البشرية.
مرت بثلاث مراحل هي :
- مرحلة ما قبل العلم وتشمل العصور القديمة وعصر النهضة حتى القرن الثامن عشر .
- المرحلة العلمية التي تتمثل بما هيأه القرن الثامن عشر وتشعب في التاسع عشر.
- مرحلة الفكر العلمي الجديد الذي انطلق ابتداء من سنة 1905 .
عندما نشر أنشتاين نظرية النسبية التي غيرت مفاهيم عديدة كان الفكر البشري يعتقد بصحتها بشكل شبه مطلق . منذ هذا الحين تفجر الفكر وتحدي المجردات . ويعتبر هذا العصر مرحلة العقل الناضج .
ويذكر غاستون باشلار ثلاث مراحل للفكر العلمي في كتابه : « تكوين الفكر العلمي ، نوجزها بما يلي :
1 - الحالة الحسية:
حيث يتلهى الفكر بصور تظهر أولا وتستند إلى ادب، فلسفي يمجد الطبيعة وينطلق من وحدة العالم وتنوعه الغني .
2 ـ الحالة الحسية المجردة :
ـ حيث يرتكز الفكر على الصور الهندسية الطبيعية فيرتكز على فلسفة البساطة ويتأكد من تجريده الفكرة بقدر ما يكون هذا التجريد متمثلاً بوضوح حدسی محسوس .
د - حالة التجريد :
وفيها يتخذ الفكر معلومات مستقاة من حدس الكون الحقيقي ومينية إراديا على التجربة المباشرة ويستطرد باشلار قائلاً « يقابل المراحل الثلاث للفكر العلمي قاعـدة عاطفية داخل النفس البشرية فنحصل على ثلاث حالات للنفس تتميز بما يلي :
اولا .. النفس البريئة وهي تهتم بالعالم كثيراً ، يجيبها الفضول البسيط وتتعجب امام اقل حادث وتكون سلبية حتى في حالة السعادة الفكرية .
ثانياً ـ النفس المتحذلقة Professorule ، تكون هذه النفس فخورة بمبادئها ، تعتمد في حياتها على نجاحاتها المدرسية في مطلع الشباب .
ثالثاً ـ النفس التي تجرد وهـي على وعي علمي مؤلسم ، تسعى دائما الى الاستنتاجات العلمية غير الكاملة وهي غير راضية دائماً عما توصلت اليه ، تلعب دائماً لعبة خطرة وهي لعبة الفكر غير المستند الى تجربة ثابتة . تتعرض في كل لحظة إلى انزعاج مرجعه اعتراضات الفكر عندها ومدركة تماماً ان التجريد هو من الواجب العلمي . . . وفي المدى البعيد نرى أن المعرفة العلمية هي فن الذكاء.